وَخْـزَةُ حُب

لو لم نكن موصولين بالإنترنت!

| د. زهرة حرم

كلنا‭ ‬نذكر‭ ‬الانتقاد‭ ‬الحادّ‭ ‬الذي‭ ‬تعرّض‭ ‬له‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬ظهوره،‭ ‬وتلك‭ ‬الألقاب‭ ‬الشيطانية‭ ‬التي‭ ‬وُصِم‭ ‬بها،‭ ‬فهو‭ ‬آفة‭ ‬العصر،‭ ‬ووجه‭ ‬للشرّ،‭ ‬وأن‭ ‬على‭ ‬أمة‭ ‬محمد‭ (‬ص‭) ‬تحديدًا‭ ‬اليقظة؛‭ ‬فهو‭ ‬ضمن‭ ‬المخططات‭ ‬الغربية؛‭ ‬للنيل‭ ‬من‭ ‬الروح‭ ‬الإيمانية‭. ‬وسواء‭ ‬خرجت‭ ‬هذه‭ ‬التحذيرات‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬أم‭ ‬غيرهم؛‭ ‬فإن‭ ‬الجميع‭ ‬قد‭ ‬تفتّحت‭ ‬أعينهم‭ ‬–‭ ‬فجأة‭ - ‬على‭ ‬عوالم‭ ‬جديدة،‭ ‬ومناطق،‭ ‬وأشخاص،‭ ‬وعادات،‭ ‬وسلوكيات‭ ‬غير‭ ‬مألوفة،‭ ‬بل‭ ‬غير‭ ‬مقبولة،‭ ‬ويدخل‭ ‬كثير‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الممنوع‭ ‬أو‭ ‬المحرم؛‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬رفضه‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬واستنكاره‭.‬

ولا‭ ‬عجب؛‭ ‬فكل‭ ‬جديد؛‭ ‬محل‭ ‬شك،‭ ‬وموضوع‭ ‬مقاومة،‭ ‬فمادامت‭ ‬العقول‭ ‬لم‭ ‬تستوعبه‭ ‬جيدًا‭ ‬–‭ ‬وقتها‭ ‬–‭ ‬فلا‭ ‬ريب‭ ‬أنها‭ ‬ستتخذ‭ ‬جانب‭ ‬المنافح‭ ‬ضده،‭ ‬وقِس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الاختراعات‭ ‬القديمة،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تستجد‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى،‭ ‬وهذه‭ ‬شريحة‭ ‬الـ‭ ‬5G‭ ‬التي‭ ‬يدور‭ ‬حولها‭ ‬جدل‭ ‬كبير‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬مثالٌ‭ ‬بارز‭. ‬وأكاد‭ ‬–‭ ‬شخصيًا‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬أجزم‭ ‬أنها‭ ‬سترى‭ ‬النور‭ ‬–‭ ‬شئنا‭ ‬أم‭ ‬أبينا‭ ‬–‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬مسألة‭ ‬وقت؛‭ ‬حتى‭ ‬يتحول‭ ‬هجومنا‭ ‬عليها‭ ‬إلى‭ ‬دفاع‭ ‬عنها‭! ‬وستصبح‭ ‬–‭ ‬تدريجيًا‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬المسلمات‭. ‬ألم‭ ‬يتحول‭ ‬الإنترنت‭ ‬إلى‭ ‬مُسلَّمة‭ ‬لدينا،‭ ‬وتحصيل‭ ‬حاصل؟‭ ‬أفلا‭ ‬يكون‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬مُتخلفًا‭ ‬–‭ ‬حتى‭ ‬النخاع‭ ‬–‭ ‬ما‭ ‬لمْ‭ ‬يدخل‭ ‬عالمه؟‭ ‬أفلا‭ ‬يكون‭ ‬وحيدًا،‭ ‬غريبًا،‭ ‬مُنعزلًا،‭ ‬غير‭ ‬اجتماعي،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يُوجِد‭ ‬له‭ ‬محطة‭ ‬أو‭ ‬نافذة‭ ‬ينفذ‭ ‬بواسطتها‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع،‭ ‬والناس،‭ ‬والعالم؟‭!‬

أصبحنا‭ ‬نُثبت‭ ‬وجودنا‭ ‬عبر‭ ‬شاشات‭ ‬الإنترنت؛‭ ‬حضورنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المواقع؛‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬والعلم،‭ ‬والعلاقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بل؛‭ ‬ونُشبع‭ ‬معدتنا،‭ ‬وأهواءنا،‭ ‬وهواياتنا‭ ‬عبره؛‭ ‬ويا‭ ‬سبحان‭ ‬الله؛‭ ‬فبقدر‭ ‬سخطنا‭ ‬السابق‭ ‬واستهجاننا؛‭ ‬تحول‭ ‬الإنترنت‭ ‬الآن‭ ‬–‭ ‬وخصوصًا‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الكورونية‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬طوق‭ ‬نجاتنا‭ ‬الأول؛‭ ‬فبقدر‭ ‬ما‭ ‬يتحدث‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬الخسائر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وغيرها؛‭ ‬فإنه‭ ‬لولا‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الذكية؛‭ ‬الإنترنت‭ ‬وتطبيقاته‭ ‬ومنصاته‭ ‬الرقمية‭ ‬المختلفة؛‭ ‬لكنّا‭ ‬رجعنا‭ ‬إلى‭ ‬عهود‭ ‬بدائية،‭ ‬ونكصنا‭ ‬نحو‭ ‬الوراء،‭ ‬وهذا‭ ‬خارج‭ ‬عن‭ ‬سُنّة‭ ‬الحياة،‭ ‬التي‭ ‬تتحرك‭ ‬نحو‭ ‬الأمام‭ ‬لا‭ ‬الخلف‭! ‬

تخيلوا‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬موصولين‭ ‬بالإنترنت،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬تحديدا؛‭ ‬حيث‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬عالمية،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬قوانين‭ ‬احترازية‭ ‬أو‭ ‬وقائية‭ ‬تمنع‭ ‬أو‭ ‬تُقنن‭ ‬الحركة‭!‬؟‭ ‬لاشك‭ ‬أن‭ ‬سيل‭ ‬الخسائر‭ ‬سيندفع‭ ‬نحونا‭ ‬بشكل‭ ‬مرعب؛‭ ‬يبدأ‭ ‬بأرزاقنا‭... ‬وأترك‭ ‬لكم‭ ‬تخيل‭ ‬الباقي؛‭ ‬لولا‭ ‬الإنترنت‭ ‬–‭ ‬يا‭ ‬سادة‭ - ‬لكنّا‭ ‬في‭ ‬حيص‭ ‬بيص‭.‬