قهوة الصباح

شكرا لجلالة الملك على قانون العقوبات البديلة

| سيد ضياء الموسوي

كتبت‭ ‬مقالي‭ ‬والبحرُ‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬ذراعي‭ ‬يقرأ‭ ‬ما‭ ‬أكتب،‭ ‬والشمس‭ ‬تشرق‭ ‬على‭ ‬أصابعي‭ ‬وتأمرني‭ ‬أن‭ ‬أسهب،‭ ‬أما‭ ‬الضوءُ،‭ ‬فكان‭ ‬يقبل‭ ‬شفتي‭ ‬الكلمات،‭ ‬ويصرخ‭ ‬فيّ‭: ‬اكتبْ‭ ‬اكتب‭. ‬عندما‭ ‬يضيق‭ ‬بي‭ ‬الخناق‭ ‬ألتجئ‭ ‬للطبيعة‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬بيتهوفن‭. ‬عندما‭ ‬يخنقني‭ ‬الدمعُ‭ ‬ألتجئ‭ ‬إلى‭ ‬البحر،‭ ‬أجلس‭ ‬أمام‭ ‬عينيه،‭ ‬أسكب‭ ‬دمعي‭ ‬أمامه،‭ ‬يحضنني،‭ ‬يخرج‭ ‬منديلا‭ ‬من‭ ‬جيبه‭ ‬كشراع،‭ ‬ويكفكف‭ ‬كل‭ ‬الدمع،‭ ‬مع‭ ‬البحر‭ ‬ما‭ ‬أجمل‭ ‬هذا‭ ‬الجمع‭. ‬طالما‭ ‬احتضنتنا‭ ‬الأرصفةُ‭ ‬بأذرعها‭ ‬تكفكف‭ ‬دمعنا،‭ ‬وتوسد‭ ‬ركبها‭ ‬لرؤوسنا،‭ ‬تحجب‭ ‬الضوء،‭ ‬وتصرخ‭ ‬في‭ ‬الريح‭ ‬ألا‭ ‬تأتي‭ ‬بضجيج‭. ‬

كم‭ ‬رصيف‭ ‬يحن‭ ‬وعلى‭ ‬وجع‭ ‬حبيب‭ ‬يئن‭. ‬تغرقني‭ ‬أصوات‭ ‬الأمهات‭ ‬العازفات‭ ‬لحن‭ ‬الوجع‭.. ‬يأسرني‭ ‬صوت‭ ‬أبٍ‭ ‬متهدج‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف،‭ ‬وهو‭ ‬ينثف‭ ‬وجعه‭: ‬سيد،‭ ‬اكتب‭ ‬عنا،‭ ‬نحن‭ ‬المثقلين‭ ‬أطنانَ‭ ‬دموعٍ‭ ‬وصناديقَ‭ ‬شموع،‭ ‬وأوصل‭ ‬صوتنا‭ ‬بأننا‭ ‬أهالي‭ ‬المحكومين‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬البديل‭ ‬أملا‭ ‬للخلاص‭... ‬هاتفني‭ ‬والدمع‭ ‬يسبق‭ ‬قوله‭: ‬يا‭ ‬سيد،‭ ‬والدة‭ ‬ابني‭ ‬تقول‭: ‬“كل‭ ‬خوفي‭ ‬أن‭ ‬أركن‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬للنوم،‭ ‬واستسلم‭ ‬للغياب‭ ‬بلا‭ ‬رجوع،‭ ‬فلا‭ ‬أحظى‭ ‬بلقاء‭ ‬ولدي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى”‭. ‬وعلى‭ ‬شارع‭ ‬البديع،‭ ‬رحت‭ ‬أفتش‭ ‬عن‭ ‬جرح‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬ألم‭ ‬ينسج‭ ‬منتهاه‭..‬

عن‭ ‬دمعة‭ ‬لا‭ ‬تخشى‭ ‬جلد‭ ‬الفتاوى‭ ‬النائمة‭ ‬في‭ ‬أكياس‭ ‬الخيال،‭ ‬عن‭ ‬أفئدة‭ ‬تنام‭ ‬على‭ ‬الطرقات،‭ ‬تستجدي‭ ‬هطول‭ ‬المطر‭.. ‬وتفكر‭ ‬في‭ ‬حمائم‭ ‬تطير‭ ‬مع‭ ‬الفرح‭. ‬طرقت‭ ‬الباب،‭ ‬دلفت‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬قديم‭ ‬متهالك‭ ‬كمواطن‭ ‬آيل‭ ‬للسقوط‭. ‬استقبلتني‭ ‬أم‭ ‬وقسمات‭ ‬الحزن‭ ‬على‭ ‬وجهها‭ ‬أرشيف‭ ‬خطوط‭ ‬لحكاية‭ ‬قديمة‭ ‬جديدة،‭ ‬دلفت‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬استقبال‭ ‬الضيوف‭ ‬مع‭ ‬صديقي‭.. ‬رأيته‭ ‬متكوما‭ ‬على‭ ‬كتابه،‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العشرين‭ ‬خرج‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬عبر‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قضى‭ ‬ستة‭ ‬أعوام‭.. ‬شاب‭ ‬يحمل‭ ‬بداخله‭ ‬قلب‭ ‬طفل‭ ‬ونهم‭ ‬معرفة‭ ‬الحياة‭. ‬راح‭ ‬يقص‭ ‬عليَّ‭ ‬الحكاية‭. ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬التفوق‭ ‬في‭ ‬الثانوية‭. ‬جلسنا‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬مجالس‭ ‬البحرين‭ ‬القديمة‭.‬

سألته‭ ‬عن‭ ‬أصدقائه‭ ‬في‭ ‬السجن،‭ ‬فراح‭ ‬يرتل‭ ‬عليَّ‭ ‬مزامير‭ ‬الوجع‭ ‬ويقول‭ ‬متأوها‭: ‬“كلهم‭ ‬يريدون‭ ‬الخروج‭ ‬بقانون‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة”‭. ‬لمحت‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬كتابا‭ ‬علميا‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬سالته‭ ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب؟‭ ‬فأجاب‭: ‬أنا‭ ‬أدرس‭ ‬الآن‭ ‬تخصصا‭ ‬علميا‭ ‬لشهادة‭ ‬مرتقبة‭ ‬أطمح‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬انتهائي‭ ‬من‭ ‬العقوبة‭. ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أشق‭ ‬طريقي‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وأرتب‭ ‬أثاث‭ ‬مستقبلي،‭ ‬وأتزوج‭ ‬وأعيش‭ ‬كبقية‭ ‬الناس‭. ‬قلت‭ ‬له‭: ‬طر‭ ‬مع‭ ‬النوارس‭.. ‬عش‭ ‬ثقافة‭ ‬الحياة،‭ ‬أكمل‭ ‬الجامعة،‭ ‬البس‭ ‬أجمل‭ ‬اللباس،‭ ‬تأنق‭ ‬ككرستيانو‭.. ‬تعلم‭ ‬بيانو‭ ‬كموزارت‭.. ‬اسمع‭ ‬موسيقى‭ ‬بيتهوفن‭.. ‬سافر‭ ‬لأوروبا،‭ ‬واذهب‭ ‬بأبنائك‭ ‬إذا‭ ‬وفقك‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬حديقة‭ ‬“ديزني‭ ‬لاند”‭ ‬في‭ ‬باريس‭.. ‬ارقص‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة‭... ‬خذ‭ ‬بيد‭ ‬زوجتك‭ ‬المستقبلية،‭ ‬واحجزوا‭ ‬لكم‭ ‬غرفة‭ ‬ولو‭ ‬ليومين‭ ‬في‭ ‬“سانتوريني”‭ ‬في‭ ‬اليونان،‭ ‬أو‭ ‬كومو‭ ‬في‭ ‬ميلانو،‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تعيشوا‭... ‬يا‭ ‬ولدي،‭ ‬ليس‭ ‬مكتوبا‭ ‬عليكم‭ ‬الشقاء‭.‬

إن‭ ‬شعار‭ ‬“القتل‭ ‬لنا‭ ‬عادة‭ ‬وكرامتنا‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬الشهادة”‭ ‬هذه‭ ‬مقولة‭ ‬قالتها‭ ‬زينب‭ (‬ع‭) ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬زمني‭ ‬خاص‭. ‬لا‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬السياسيين،‭ ‬إنهم‭ ‬لا‭ ‬يفهمون‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬إنهم‭ ‬يعبثون‭ ‬بمقولاته‭ ‬لصالح‭ ‬دكاكين‭ ‬إقليمية‭. ‬يا‭ ‬ولدي‭ ‬“الحياة‭ ‬لكم‭ ‬عادة،‭ ‬وكرامتكم‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬السعادة”‭. ‬ارفع‭ ‬شعار‭ ‬“انا‭ ‬الدكتور‭ ‬التالي”،‭ ‬وليس‭ ‬“الشهيد‭ ‬التالي”،‭ ‬استبدل‭ ‬شهادة‭ ‬الوفاة‭ ‬بالشهادة‭ ‬الجامعية،‭ ‬أبناء‭ ‬السياسيين‭ ‬ليسوا‭ ‬أفضل‭ ‬منكم‭... ‬ليس‭ ‬مكتوبا‭ ‬عليك‭ ‬الموت،‭ ‬ولست‭ ‬منذورا‭ ‬للعذاب،‭ ‬من‭ ‬يحب‭ ‬كربلاء‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يعيش،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬في‭ ‬مطاحن‭ ‬الحروب‭. ‬

من‭ ‬قال‭ ‬لكم‭ ‬إن‭ ‬الحياة‭ ‬تكمن‭ ‬إما‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬أو‭ ‬مقبرة‭ ‬أو‭ ‬منفى‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬البيانات‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬ولندن‭ ‬وبيروت؟‭ ‬يا‭ ‬ولدي‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬محبة‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ (‬ع‭) ‬أن‭ ‬أواجه‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬بشعارات‭ ‬ثورية‭..‬؟‭ ‬اثنا‭ ‬عشر‭ ‬إماما،‭ ‬كلهم‭ ‬كانوا‭ ‬يتعاطون‭ ‬بحكمة‭ ‬وعقل‭ ‬مع‭ ‬حكوماتهم،‭ ‬والإمام‭ ‬الحسين‭ (‬ع‭) ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬لو‭ ‬وجد‭ ‬مندوحة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الموت‭ ‬أو‭ ‬لو‭ ‬تركوه‭ ‬لذهب‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‭. ‬أنا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬مناقشة‭ ‬علية‭ ‬القوم‭ ‬فقهيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وتاريخيا‭ ‬وأنثربولجيا‭ ‬وفلسفيا؛‭ ‬لأثبت‭ ‬خطأهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬

هل‭ ‬سمعت‭ ‬يا‭ ‬ولدي‭ ‬إمام‭ ‬جمعة‭ ‬أو‭ ‬خطيبا‭ ‬حثكم‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬أو‭ ‬ثقافة‭ ‬الحياة‭ ‬أو‭ ‬طرق‭ ‬السعادة‭ ‬أو‭ ‬كيف‭ ‬تتأنق‭ ‬أو‭ ‬كيف‭ ‬تشذب‭ ‬لحيتك‭ ‬أو‭ ‬تضع‭ ‬عطرا‭ ‬أو‭ ‬طيب‭ ‬الحديث؟‭ ‬يا‭ ‬صغيري‭ ‬أنا‭ ‬أفهم‭ ‬أهل‭ ‬البيت‭ (‬ع‭) ‬وعليا‭ ‬والحسين‭ ‬سعادة‭ ‬وحضارة‭ ‬وعقلا‭. ‬مفهوم‭ ‬الأئمة‭ (‬ع‭) ‬أن‭ ‬توزع‭ ‬الحب،‭ ‬أن‭ ‬تكره‭ ‬الكراهية‭. ‬

الإمام‭ ‬علي‭ ‬سيد‭ ‬الحكمة‭ ‬والمنطق‭ ‬صوت‭ ‬الإنسانية‭. ‬

أن‭ ‬تحب‭ ‬أهل‭ ‬البيت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أخلاقا،‭ ‬وأن‭ ‬تحمل‭ ‬أوسع‭ ‬ثقافة‭ ‬متنوعة‭.. ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الأناقة،‭ ‬وأن‭ ‬تقدس‭ ‬الجمال‭ ‬والفن‭ ‬والموسيقى‭ ‬والطبيعة‭ ‬وأن‭ ‬تتحدث‭ ‬بلباقة‭ ‬مع‭ ‬الناس‭. ‬يا‭ ‬ولدي،‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬ع‭) ‬عنده‭ ‬أحاديث‭ ‬يركز‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬فن‭ ‬الإتكيت‭ ‬والخلق‭ ‬في‭ ‬مخاطبة‭ ‬الملوك‭ ‬وعلية‭ ‬القوم‭.‬

عش‭ ‬حياتك،‭ ‬كن‭ ‬رياضيا‭ ‬لا‭ ‬تترك‭ ‬“الجم‭)‬”،‭ ‬واخرج‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬بأجمل‭ ‬هندام،‭ ‬والبس‭ ‬أجمل‭ ‬الألوان‭ ‬وقِ‭ ‬نفسك‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬وسافر‭ ‬أجمل‭ ‬البلدان،‭ ‬وفوق‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬كن‭ ‬أمينا‭ ‬وصادقا،‭ ‬وكن‭ ‬الإنسان،‭ ‬لا‭ ‬تتعصب‭ ‬لمذهب،‭ ‬ولا‭ ‬لعقيدة،‭ ‬ولا‭ ‬للون‭.. ‬أحبب‭ ‬المسلم‭ ‬والمسيحي‭ ‬واليهودي،‭ ‬ورسخ‭ ‬مملكة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وكن‭ ‬مخلصا‭ ‬لقيادتك،‭ ‬ولوطنك‭ ‬ولشعبك‭ ‬ومهما‭ ‬حاول‭ ‬السياسيون،‭ ‬دولا‭ ‬أو‭ ‬سفارات‭ ‬أو‭ ‬زعماء‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬أوتار‭ ‬الجوع‭ ‬للاقتراب‭ ‬من‭ ‬خدش‭ ‬وطنيتك‭ ‬أو‭ ‬ضرب‭ ‬سيادة‭ ‬وطنك‭ ‬أو‭ ‬اللعب‭ ‬بالولاء‭ ‬لقيادتك‭ ‬أو‭ ‬استغلال‭ ‬مشاكلك‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كن‭ ‬لهم‭ ‬بالمرصاد‭. ‬

يا‭ ‬عزيزي،‭ ‬سافر‭ ‬لزيارة‭ ‬الحسين‭ (‬ع‭)‬،‭ ‬وقبّل‭ ‬ضريح‭ ‬إمامنا‭ ‬العظيم‭ ‬الإمام‭ ‬علي،‭ ‬وحج‭ ‬بيت‭ ‬الله،‭ ‬وأيضا‭ ‬سافر‭ ‬باريس،‭ ‬وتنعم‭ ‬بطبيعة‭ ‬أوروبا،‭ ‬واذهب‭ ‬لشواطئ‭ ‬إيطاليا،‭ ‬واذهب‭ ‬للنوم‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬“زلامسي”،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تناقض‭ ‬بينهما‭. ‬

يا‭ ‬ولدي،‭ ‬يقول‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭: ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬الحياة‭.. ‬البس‭ ‬أي‭ ‬لباس‭ ‬تحبه‭.. ‬ولا‭ ‬تلتفت‭ ‬لرضا‭ ‬أو‭ ‬غضب‭ ‬الآخرين‭.. ‬قص‭ ‬شعر‭ ‬رأسك‭ ‬بأي‭ ‬طريقة‭ ‬تحبها‭.. ‬اذهب‭ ‬إلى‭ ‬السينما،‭ ‬تمتع‭ ‬بأفلام‭ ‬براد‭ ‬بيت‭ ‬أو‭ ‬شاروخان‭.. ‬ارتد‭ ‬أي‭ ‬“جينز”‭.. ‬اذهب‭ ‬إلى‭ ‬الساحل،‭ ‬هذه‭ ‬حياتك،‭ ‬ولن‭ ‬تعيشها‭ ‬مرتين،‭ ‬وليس‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يغضب‭ ‬الله‭. ‬ومهما‭ ‬كان‭ ‬الحزن،‭ ‬تجاوزه،‭ ‬“إن‭ ‬الإنسان‭ ‬بلا‭ ‬حزن‭ ‬ذكرى‭ ‬إنسان”‭.‬

لا‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬هوس‭ ‬الفتاوى،‭ ‬فهذا‭ ‬ليس‭ ‬حراما‭... ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬له‭ ‬ولاية‭ ‬على‭ ‬حياتك‭ ‬الخاصة‭. ‬من‭ ‬أعطاهم‭ ‬الوصاية‭ ‬علينا‭ ‬لكي‭ ‬يخربوا‭ ‬الذوق‭ ‬العام‭..‬؟‭ ‬ليست‭ ‬مشكلتنا،‭ ‬إنها‭ ‬مشكلتهم‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬وسواس‭ ‬قهري،‭ ‬ومرض‭ ‬سيكولوجي‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬يقولون‭ ‬لك‭: ‬“إذا‭ ‬جلست‭ ‬امراة‭ ‬على‭ ‬كرسي،‭ ‬وذهبت،‭ ‬وجئت‭ ‬أنت‭ ‬لتجلس‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬الكرسي،‭ ‬فلا‭ ‬تجلس؛‭ ‬لأن‭ ‬حرارة‭ ‬جلوسها‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬عالقة”،‭ ‬هؤلاء‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬اسمها‭ ‬المرأة‭ ‬ووسواسيون‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الغثيان‭ ‬والشفقة‭. ‬

أنا‭ ‬درست‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬البحث‭ ‬الخارج‭ ‬فقهيا‭.. ‬هذا‭ ‬هراء‭ ‬يفضحه‭ ‬الدليل‭ ‬العقلي‭ ‬والنقلي‭. ‬الحرام‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬الناس‭ ‬لمحرقة‭ ‬الموت،‭ ‬وتجعل‭ ‬آباءهم‭ ‬وأمهاتهم‭ ‬يتعذبون‭ ‬طيلة‭ ‬عمرهم‭ ‬بسبب‭ ‬فقدانهم‭ ‬فلذات‭ ‬أكبادهم‭ ‬نتيجة‭ ‬سياسة‭ ‬غير‭ ‬مدروسة،‭ ‬وشعارات‭ ‬غير‭ ‬واقعية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬المراهقة‭ ‬السياسية‭. ‬

شكرا‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭.. ‬شكرا‭ ‬لك‭ ‬أبا‭ ‬سلمان،‭ ‬فكل‭ ‬الشعب‭ ‬يقدم‭ ‬لك‭ ‬فائض‭ ‬العرفان‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القانون،‭ ‬وأنا‭ ‬تصلني‭ ‬يوميا‭ ‬عشرات‭ ‬الاتصالات‭ ‬يقدمون‭ ‬الشكر‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬النبيل،‭ ‬وكلنا‭ ‬تطلع‭ ‬وأمل‭ ‬بأن‭ ‬تستمر‭ ‬هذه‭ ‬الإفراجات،‭ ‬ونرى‭ ‬أبناءنا‭ ‬هانئين،‭ ‬ويشقون‭ ‬طريقهم‭ ‬للحياة‭. ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬سننثر‭ ‬كل‭ ‬الورد‭ ‬والياسمين،‭ ‬ونصدح‭ ‬بالأهازيج،‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬عناق‭ ‬الأم‭ ‬للابن،‭ ‬وجلوس‭ ‬الولد‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬رمضان‭ ‬مع‭ ‬أهله،‭ ‬ونزفه‭ ‬عريسا‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬الأعراس،‭ ‬ويكبر‭ ‬في‭ ‬أعيننا،‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬كتبه‭ ‬الجامعية‭ ‬ذاهبا‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭. ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬لندن‭ ‬أو‭ ‬بيروت‭ ‬وتسعى‭ ‬لقتل‭ ‬أي‭ ‬بارقة‭ ‬أمل‭ ‬لخروج‭ ‬أبنائنا‭ ‬حاربوها‭. ‬ارفعوا‭ ‬صوتكم،‭ ‬لا‭ ‬تخافوا‭ ‬أحدا‭. ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يؤخرون‭ ‬خروج‭ ‬أبنائكم‭ ‬من‭ ‬السجن،‭ ‬فهم‭ ‬منعمون‭ ‬مع‭ ‬أبنائهم‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬وإيران‭ ‬وبيروت،‭ ‬ويعيشون‭ ‬بأفضل‭ ‬الأماكن‭.‬

السجن‭ ‬قاتل،‭ ‬والحرية‭ ‬حلم‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬اقرأوا‭ ‬قصة‭ ‬عظيم‭ ‬الأدب‭ ‬دوستويفيسكي‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬السجن،‭ ‬أو‭ ‬مذكرات‭ ‬الأديب‭ ‬الفرنسي‭ ‬جان‭ ‬جنيه‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬حل‭ ‬بالأديب‭ ‬الأيرلندي‭ ‬اوسكار‭ ‬وايلد،‭ ‬أو‭ ‬بودلير‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬باريس،‭ ‬أو‭ ‬غوستاف‭ ‬فلوبير؛‭ ‬بسبب‭ ‬رواية‭ ‬مدام‭ ‬بوفاري،‭ ‬أو‭ ‬ماركيز‭ ‬دي‭ ‬ساد،‭ ‬كلهم‭ ‬كرهوا‭ ‬السجن،‭ ‬ويفضلون‭ ‬الحرية‭. ‬

أقول‭: ‬الذين‭ ‬يرفضون‭ ‬القانون‭ ‬نقول‭ ‬لهم‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬تحول‭ ‬القانون‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬إلى‭ ‬الزعامات‭ ‬البديلة،‭ ‬والعوائل‭ ‬البديلة؟‭ ‬فهل‭ ‬سيقبلون‭ ‬أن‭ ‬يدخلوا‭ ‬السجن‭ ‬مكان‭ ‬السجناء،‭ ‬ويستبدلوا‭ ‬أبناءهم‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬ولندن‭ ‬وإيران‭ ‬مكان‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأبناء‭ ‬السجناء؟