غياب القيم

| هدى حرم

بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬تصلُ‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬طُرَفٌ‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬على‭ ‬هيئةِ‭ ‬رسائلَ‭ ‬نصيةٍ‭ ‬أو‭ ‬مقاطعَ‭ ‬فيديو‭ ‬تهدِفُ‭ ‬لرسمِ‭ ‬البسمةِ‭ ‬على‭ ‬وجهِ‭ ‬المتلقي،‭ ‬وقد‭ ‬تُسهِمُ‭ ‬في‭ ‬تبدُّلِ‭ ‬مزاجٍ‭ ‬سيءٍ‭ ‬أو‭ ‬يومٍ‭ ‬مشحونٍ‭ ‬بالمصاعبِ‭ ‬والمحن‭. ‬لا‭ ‬بأسَ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬طبعاً،‭ ‬ولا‭ ‬إشكالَ‭ ‬فيه،‭ ‬لكن‭ ‬تحري‭ ‬مادةِ‭ ‬الإضحاكِ‭ ‬التي‭ ‬تصلُنا‭ ‬ونقومُ‭ ‬بدورِنا‭ ‬بإعادةِ‭ ‬إرسالها‭ ‬واجبٌ‭ ‬وضرورة،‭ ‬وليس‭ ‬كلُ‭ ‬ما‭ ‬يصلُنا‭ ‬من‭ ‬الطُرَفِ‭ ‬يجوزُ‭ ‬لنا‭ ‬تلقيه‭ ‬والضحك‭ ‬على‭ ‬محتواه،‭ ‬دونما‭ ‬تفكُّرٍ‭ ‬أو‭ ‬تمحيص،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يجوزُ‭ ‬لنا‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬نشرِ‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المشاهدِ‭ ‬المسيئةِ‭ ‬التي‭ ‬تُؤسِسُ‭ ‬للفسادِ‭ ‬وغيابِ‭ ‬القيم‭. ‬

قبلَ‭ ‬أيامٍ‭ ‬تداولَ‭ ‬الجميعُ‭ ‬مقطعَ‭ ‬فيديو‭ ‬لأبناءٍ‭ ‬قاموا‭ ‬بخداعِ‭ ‬والدِهم‭ ‬في‭ ‬مقلبٍ‭ ‬مُهينٍ‭ ‬لا‭ ‬يُراعي‭ ‬حُرمةَ‭ ‬الوالدين‭ ‬وقدسيةَ‭ ‬مكانتِهم،‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأبناء‭ ‬قاموا‭ ‬بالضحكِ‭ ‬على‭ ‬والدِهم‭ ‬في‭ ‬موقفٍ‭ ‬غابتْ‭ ‬فيه‭ ‬الأخلاقُ‭ ‬وانعدمتْ‭ ‬فيه‭ ‬المروءة؛‭ ‬فكيف‭ ‬يتجرأُ‭ ‬أبناءُ‭ ‬اليومِ‭ ‬على‭ ‬والدَيهم،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬ويجعلونَ‭ ‬منهم‭ ‬مادةً‭ ‬للضحكِ‭ ‬والسُخرية،‭ ‬وكيف‭ ‬يتناقلُ‭ ‬الناسُ‭ ‬هذا‭ ‬المقطع‭ ‬وكأنه‭ ‬أمرٌ‭ ‬لا‭ ‬بأسَ‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬جناية،‭ ‬لا‭ ‬مستنكرٌ‭ ‬ولا‭ ‬مُندِّد؟‭! ‬كيف‭ ‬تبدَّدَ‭ ‬الاحترامُ‭ ‬والتبجيلُ‭ ‬للوالدين‭ ‬حتى‭ ‬باتَ‭ ‬البارُّونَ‭ ‬بآبائِهم‭ ‬قلةً‭ ‬ومحطَّ‭ ‬انتقادٍ‭ ‬من‭ ‬البعض‭ ‬كذلك؟‭ ‬

ولا‭ ‬غروَ‭ ‬ولا‭ ‬عجبَ‭ ‬من‭ ‬تصرفاتِ‭ ‬بعضِ‭ ‬أبناءِ‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬ابتعدَ‭ ‬عن‭ ‬الدينِ‭ ‬الحنيفِ‭ ‬والتحلي‭ ‬بالأخلاقِ‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬تجرَّدَ‭ ‬أبناؤه‭ ‬من‭ ‬القيمِ‭ ‬ونأَوا‭ ‬بأنفسِهم‭ ‬عن‭ ‬الأعرافِ‭ ‬القائمةِ‭ ‬والعاداتِ‭ ‬والتقاليدِ‭ ‬السائدةِ‭ ‬التي‭ ‬توارثناها‭ ‬أباً‭ ‬عن‭ ‬جد،‭ ‬وبذلنا‭ ‬في‭ ‬سبيلِ‭ ‬صيانتِها‭ ‬والحفاظِ‭ ‬عليها‭ ‬الغالي‭ ‬والنفيس‭. ‬أتى‭ ‬جيلٌ‭ ‬يتقزَّزُ‭ ‬من‭ ‬جيلِ‭ ‬آبائه‭ ‬وأجدادِه‭ ‬ويشعر‭ ‬تجاهَهُ‭ ‬بالعار؛‭ ‬ففضَّلَ‭ ‬الانسلاخَ‭ ‬من‭ ‬جِلدتِه‭ ‬كشجرة‭ ‬فارهة‭ ‬اِجتُثَتْ‭ ‬من‭ ‬جُذورِها،‭ ‬فلا‭ ‬أصلَ‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬بداية‭. ‬

ماذا‭ ‬سيُورِّثُ‭ ‬هؤلاء‭ ‬لأبنائِهم‭ ‬يا‭ ‬تُرى؟‭ ‬آخرَ‭ ‬صيحاتِ‭ ‬الموضة،‭ ‬أم‭ ‬أفضلَ‭ ‬ألعابِ‭ ‬الفضاءِ‭ ‬الإلكتروني‭ ‬التي‭ ‬أتقنوها؟‭ ‬هؤلاء‭ ‬يتزوجونَ‭ ‬ويُنجِبون‭ ‬لا‭ ‬لتطبيقِ‭ ‬سُنةِ‭ ‬اللهِ‭ ‬في‭ ‬أرضه،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أجلِ‭ ‬التوثيقِ‭ ‬بالصورِ‭ ‬والفيديو،‭ ‬في‭ ‬وضعِ‭ ‬أشبهَ‭ ‬ما‭ ‬يكونُ‭ ‬باللعبة‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬أجلِ‭ ‬التقديسِ‭ ‬للحياةِ‭ ‬الزوجيةِ‭ ‬أو‭ ‬تجربةً‭ ‬لنظرياتِ‭ ‬التربية‭. ‬وإنْ‭ ‬كان‭ ‬أطفالُ‭ ‬الأمسِ‭ ‬يكبُرونَ‭ ‬ليُدرِكوا‭ ‬قيمةَ‭ ‬آبائِهم‭ ‬ومقدارِ‭ ‬ما‭ ‬شقَوا‭ ‬في‭ ‬تنشئتِهم،‭ ‬فهل‭ ‬يكبرُ‭ ‬أطفالُ‭ ‬اليومِ‭ ‬ليُدركوا‭ ‬قيمةَ‭ ‬والدَيهم‭ ‬بعد‭ ‬كلِ‭ ‬ذلك؟‭ ‬وهل‭ ‬سيتألمُ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يسخرونَ‭ ‬من‭ ‬آبائِهم‭ ‬اليومَ‭ ‬عندما‭ ‬يسخرُ‭ ‬منهم‭ ‬أبناؤهم‭ ‬غدا؟‭.‬