لمحات

التجني على “الفنتازيا”

| د.علي الصايغ

في‭ ‬غابر‭ ‬الأزمنة،‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬تفرداً‭ ‬أعمال‭ ‬“الفنتازيا”،‭ ‬وكان‭ ‬مقبولاً‭ - ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ - ‬بعض‭ ‬التواضع‭ ‬في‭ ‬تقديمها،‭ ‬وفقاً‭ ‬للإمكانيات‭ ‬المتوفرة‭ ‬آنذاك،‭ ‬لكننا‭ ‬اليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬المضي‭ ‬قدماً‭ ‬في‭ ‬إمكانات‭ ‬تسخير‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬جديرة‭ ‬تجاوزت‭ ‬الحدود‭ ‬والخيال،‭ ‬وأصبحت‭ ‬عاملاً‭ ‬مساعداً‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬غير‭ ‬المألوف،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الجمهور‭ ‬متقبلاً‭ ‬مشاهدة‭ ‬أعمال‭ ‬تشبه‭ ‬“الفنتازيا”،‭ ‬ساخرة‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬عقليته‭ ‬الواعية‭.‬

إن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬المنصات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالأفلام‭ ‬والمسلسلات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬مثل‭ ‬“نتفلكس”‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المنصات‭ ‬الرائجة‭ ‬والناجحة‭ ‬هو‭ ‬احترام‭ ‬عقلية‭ ‬المشاهد،‭ ‬فلا‭ ‬تجد‭ - ‬في‭ ‬الغالب‭ - ‬أعمالاً‭ ‬تتجاوز‭ ‬بعدم‭ ‬احترام‭ ‬العقلية‭ ‬المتطورة‭ ‬والمتجددة،‭ ‬والتي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬نضوج‭ ‬الجمهور‭ ‬المتابع‭ ‬جيلاً‭ ‬بعد‭ ‬جيل،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬التقدم‭ ‬الفكري‭ ‬والتكنولوجي،‭ ‬ما‭ ‬يمنحها‭ ‬إعجاب‭ ‬مختلف‭ ‬المشاهدين‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬وارداً‭ ‬والمشاهد‭ ‬مطلع‭ ‬على‭ ‬أبرز‭ ‬وأهم‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وعلى‭ ‬آخر‭ ‬النتاجات‭ ‬الفنية‭ ‬المبدعة،‭ ‬أن‭ ‬يتقبل‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬المستوى‭.‬

وعند‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬أفلام‭ ‬البدايات‭ ‬الأولى‭ ‬لهوليوود،‭ ‬تجد‭ ‬الجواب‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬قد‭ ‬يعد‭ ‬حائراً‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرين،‭ ‬لماذا‭ ‬هوليوود‭ ‬بالذات؟‭! ‬لماذا‭ ‬تميزت‭ ‬صناعة‭ ‬السينما‭ ‬هناك،‭ ‬وانطلقت‭ ‬بقوة،‭ ‬حتى‭ ‬غدت‭ ‬الأولى‭ ‬عالمياً‭ ‬إلى‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر؟‭! ‬ستجد‭ ‬الجواب‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬تواضع‭ ‬الإمكانيات‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الزمن،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الصناع‭ ‬احترموا‭ ‬عقلية‭ ‬المشاهد،‭ ‬وبذلوا‭ ‬قصارى‭ ‬جهدهم‭ ‬في‭ ‬إقناعه،‭ ‬وهذا‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬صناع‭ ‬الفن‭ ‬والجمهور،‭ ‬لهو‭ ‬المعادلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬ضمنت‭ ‬لهوليوود‭ ‬النجاح‭ ‬والاستمرار‭.‬

في‭ ‬بداياتي‭ ‬مع‭ ‬كتابة‭ ‬السيناريو‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬كنت‭ ‬متحمساً‭ ‬لتقديم‭ ‬أعمال‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬إطار‭ ‬“الفنتازيا”،‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتخطاه‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬بعيدة‭ ‬جداً‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬الرتيب،‭ ‬لكن‭ ‬القامع‭ ‬الأول‭ ‬لهذا‭ ‬الحماس‭ ‬كان‭ ‬جهات‭ ‬الإنتاج‭ ‬التي‭ ‬تفضل‭ ‬الأسهل،‭ ‬والأكثر‭ ‬نفعاً‭ ‬مادياً،‭ ‬دون‭ ‬اعتبارات‭ ‬التفرد،‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬مهما‭ ‬اختلفنا‭ ‬في‭ ‬الرأي،‭ ‬تبقى‭ ‬مهمة‭ ‬تقديم‭ ‬“الفنتازيا”‭ ‬بمعناها‭ ‬الأصلي،‭ ‬والطرق‭ ‬الجديدة‭ ‬لإبرازها‭ ‬وتوظيفها،‭ ‬عصية‭ ‬على‭ ‬متبني‭ ‬“فنتازيا”‭ ‬العصور‭ ‬البائدة‭.‬