قهوة الصباح

الخبز الحافي

| سيد ضياء الموسوي

عندما‭ ‬أبدأ‭ ‬في‭ ‬النزف‭ ‬تجلس‭ ‬باريس‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬الكتابة‭ ‬مستلقية‭ ‬بوشاحها‭ ‬الأبيض،‭ ‬تمسح‭ ‬دمع‭ ‬الخد‭ ‬تارة‭ ‬وتارة‭ ‬تكفكف‭ ‬دمع‭ ‬الحروف،‭ ‬تشعل‭ ‬لي‭ ‬السجارة‭ ‬بيمينها،‭ ‬وبيسارها‭ ‬تسقيني‭ ‬فنجان‭ ‬قهوتي‭ ‬الحزين‭. ‬

هي‭ ‬باريس‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬عشاقها‭. ‬كثيرون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬عشقوا‭ ‬باريس،‭ ‬لكنهم‭ ‬عشاق‭ ‬مزيفون،‭ ‬فعند‭ ‬محنة‭ ‬باريس‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬أحدا،‭ ‬سقطوا‭ ‬واحدا‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭. ‬وقفت‭ ‬باريس‭ ‬تنشد‭ ‬لي،‭ ‬وهي‭ ‬ترقص‭ ‬على‭ ‬أصابعها‭ ‬مع‭ ‬برج‭ ‬إيفل،‭ ‬كارهة‭ ‬غدر‭ ‬العشاق‭ ‬الطارئين،‭ ‬مرددة‭ ‬شعر‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬في‭ ‬تعريفه‭ ‬للحب‭: ‬“هو‭ ‬هذه‭ ‬الكفُ‭ ‬التي‭ ‬تغتالنا‭.. ‬ونقّبلُ‭ ‬الكف‭ ‬التي‭ ‬تغتالُ”‭. ‬

يسألونني‭ ‬عن‭ ‬حياتي‭... ‬حياتي‭ ‬حقيبة‭ ‬سفر،‭ ‬وكتاب‭ ‬وبحر‭. ‬بقيت‭ ‬سنينا‭ ‬أحمل‭ ‬وجعي‭ ‬على‭ ‬ظهري،‭ ‬أجرُّ‭ ‬خلفي‭ ‬كتبا‭ ‬مقيدة‭ ‬بسلاسل‭ ‬الحزن،‭ ‬وجسدا‭ ‬متشظيا،‭ ‬وحبا‭ ‬يتيما‭ ‬كطفل‭ ‬شريد،‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬وسادته‭ ‬ينام‭ ‬على‭ ‬الحجر‭ ‬أو‭ ‬يفترش‭ ‬له‭ ‬رصيفا‭ ‬حنونا‭ ‬على‭ ‬محطة‭ ‬غربة‭. ‬كل‭ ‬حبيب‭ ‬مغدور،‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬مغدور‭ ‬حبيبا‭. ‬يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬العظيم‭ ‬الفرنسي‭ ‬بودلير‭: ‬“أنا‭ ‬الطعنة‭ ‬والسكين‭! ‬أنا‭ ‬الصفعة‭ ‬والخدان‭! ‬أنا‭ ‬العجلة‭ ‬والعضوان‭! ‬أنا‭ ‬الضحية‭ ‬والجلاد‭!‬”‭.‬وحدها‭ ‬الأديبة‭ ‬غادة‭ ‬السمان‭ ‬فهمت‭ ‬علاقة‭ ‬السكين‭ ‬والذاكرة‭ ‬قائلة‭: ‬“إن‭ ‬الذاكرة‭ ‬والألم‭ ‬توأمان،‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬قتل‭ ‬الألم‭ ‬دون‭ ‬سحق‭ ‬الذاكرة”‭. ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬الحب‭ ‬يعطي‭ ‬للساهرين‭ ‬أجفانا،‭ ‬لكنه‭ ‬يهب‭ ‬المغدورين‭ ‬رصاصة‭ ‬ذكرى‭ (‬لقلب‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬فيه‭ ‬مكان‭ ‬لرصاصة‭ ‬جديدة‭). ‬

قناعتي‭ ‬أن‭ ‬الحزن‭ ‬نبيل‭ ‬وكريم؛‭ ‬لأنه‭ ‬يدخلك‭ ‬في‭ ‬غمار‭ ‬تساؤلات‭ ‬وجودية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬جدلية‭ ‬متلازمة‭ ‬الألم‭ ‬والمتعة‭ ‬أو‭ ‬هل‭ ‬قدرك‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عبدا‭ ‬لجبة‭ ‬أو‭ ‬نكتاي‭ ‬لترضي‭ ‬الآلهة،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حرا،‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬تفسيرك‭ ‬لكل‭ ‬صناديق‭ ‬الأفكار‭ ‬المتكدسة‭ ‬أمام‭ ‬باب‭ ‬دماغ‭ ‬الحياة،‭ ‬أن‭ ‬تشكك‭ ‬في‭ ‬دموع‭ ‬وزير‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬في‭ ‬عينية‭ ‬دمع‭ ‬الخبز‭ ‬وبكاء‭ ‬الأرغفة؟‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬تاجر‭ ‬بحريني‭ ‬ينام‭ ‬على‭ ‬صخرة‭ ‬القروض‭ ‬المتراكمة،‭ ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ينبري‭ ‬يريد‭ ‬إقناعنا‭ ‬أن‭ ‬“العبقرية”‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الحنان‭ ‬الوظيفي‭ ‬للأجانب‭ ‬في‭ ‬سلال‭ ‬الإنسانية‭ ‬المثقوبة‭ ‬التي‭ ‬توزع‭ ‬عبر‭ ‬نظرية‭ (‬المنصات‭ ‬الإكترونية‭)‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يتكدس‭ ‬أبناؤنا‭ ‬من‭ ‬أطباء‭ ‬ومهندسين‭ ‬و‭ ‬طيارين‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬غرف‭ ‬النسيان‭!‬

هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬إغراق‭ ‬السوق‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬إليها‭ ‬لا‭ ‬آدم‭ ‬سميث‭ ‬ولا‭ ‬جون‭ ‬كينز‭ ‬ولا‭ ‬ميلتون‭ ‬فريدمان‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬ديفيد‭ ‬ريكاردو،‭ ‬وهم‭ ‬أباطرة‭ ‬الفكر‭ ‬الاقتصادي‭. ‬قرأت‭ ‬كتاب‭ ‬“المال‭ ‬إتقان‭ ‬اللعبة”‭ ‬لأنتوني‭ ‬روبينز‭ ‬وبه‭ ‬أبعاد‭ ‬اقتصادية‭ ‬كبيرة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬إصابة‭ ‬التجارة‭ ‬بذبحة‭ ‬صدرية‭ ‬أو‭ ‬تراكم‭ ‬الخيبات‭. ‬نتمنى‭ ‬من‭ ‬حنان‭ ‬الوزارات،‭ ‬حيث‭ ‬يكثر‭ ‬توظيف‭ ‬الأجانب،‭ ‬خصوصا‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬وديوان‭ ‬الخدمة‭ ‬المدنية،‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬حنانهما‭ ‬إلى‭ ‬المواطنين‭ ‬العاطلين‭ ‬أولا‭ ‬قبل‭ ‬الأجانب،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬عاطل‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬خبز‭ ‬حافٍ‭. ‬يقول‭ ‬جلال‭ ‬عامر‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬حال‭ ‬الخريج‭ ‬الجامعي‭ ‬العاطل‭: ‬“بعد‭ ‬أن‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬الليسانس‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬تحضير‭ ‬الماجستير،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬الماجستير‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬تحضير‭ ‬الشاي‭ ‬للزبائن”‭. ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لردي‭ ‬على‭ ‬بيان‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الأوقاف‭ ‬السابق‭ ‬عن‭ ‬“الأهمية”‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬الوقف،‭ ‬فسؤالي‭ ‬أولا‭: ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الهوس‭ ‬بشراء‭ ‬الدروع‭ ‬للأوقاف‭ ‬والحب‭ ‬المفرط‭ ‬لمناقصة‭ ‬الشقيق‭ ‬والأقارب؟‭ ‬فقد‭ ‬مرر‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬صفقة‭ ‬لتزويد‭ ‬الإدارة‭ ‬بـ‭ ‬500‭ ‬درع‭ ‬بقيمة‭ ‬إجمالية‭ ‬14‭ ‬ألف‭ ‬دينار،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬قيمة‭ ‬الدرع‭ ‬28‭ ‬دينارا،‭ ‬وصفقة‭ ‬أخرى‭ ‬لتزويد‭ ‬الإدارة‭ ‬بـ‭ ‬80‭ ‬درعا‭ ‬أخرى‭ ‬بـ‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬دينار،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬قيمة‭ ‬الدرع‭ ‬الواحد‭ ‬150‭ ‬دينارا‭... ‬26‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬لأجل‭ ‬دروع؟‭! ‬ولماذا؟‭ ‬لماذا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدروع؟‭ ‬فلو‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نكرم‭ ‬كرستيانو‭ ‬وميسي‭ ‬ومايكل‭ ‬جوردن‭ ‬أو‭ ‬روجر‭ ‬فيدرير‭ ‬أو‭ ‬ملك‭ ‬كرة‭ ‬اليد‭ ‬إيفانو‭ ‬باليتش‭ ‬لما‭ ‬احتجنا‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدروع‭. ‬

ثانيا‭: ‬تمت‭ ‬صفقات‭ ‬بيع‭ ‬وشراء‭ ‬لـ‭ ‬4‭ ‬أراضٍ،‭ ‬سوف‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬سعرها‭ ‬وسعر‭ ‬الشراء‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬البيع،‭ ‬لنرى‭ ‬حجم‭ ‬كارثية‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬البيع‭. ‬وللدولة‭ ‬الحكم‭ ‬والتحقيق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬أي‭ ‬بيع‭ ‬أو‭ ‬شراء‭ ‬فيه‭ ‬غُبن‭ ‬لأحد‭ ‬الأطراف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬قانونيا‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬البحث‭ ‬عنه‭ ‬حقوق‭ ‬الوقف‭. ‬

لإصلاح‭ ‬الأوقاف‭: ‬أتمنى‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬الجديدة‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬أخطاء‭ ‬الإدارة‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬124‭ ‬مؤذنا‭ ‬يتسلمون‭ ‬رواتب‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬370‭ ‬دينارا‭ ‬ورميهم‭ ‬على‭ ‬أرصفة‭ ‬البطالة‭ ‬بحجة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬المال‭ ‬والأوقاف،‭ ‬خصوصا‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن‭. ‬فهل‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يتسببون‭ ‬في‭ ‬إهدار‭ ‬المال؟‭ ‬وأيضا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأئمة‭ ‬المساجد‭ ‬والقيمين‭ ‬ممن‭ ‬منعت‭ ‬رواتبهم،‭ ‬اطلبوا‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬وضع‭ ‬الأسماء‭ ‬من‭ ‬المتضررين‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬وإرسالها‭ ‬على‭ ‬إيميلي،‭ ‬وسوف‭ ‬أقوم‭ ‬بالكتابة‭ ‬عنهم‭ ‬والمتابعة‭ ‬عبر‭ ‬الصحافة‭.‬

 

رسائل‭ ‬بلا‭ ‬تشفير

1‭. ‬أهالي‭ ‬سار‭ ‬محرومون‭ ‬من‭ ‬“جوكلت”‭ ‬حفلات‭ ‬زفاف‭ ‬إنجازات‭ ‬الدولة‭. ‬أحلامهم‭ ‬بسيطة‭ ‬كفلاح‭ ‬يحلم‭ ‬بشمس‭ ‬وأرض‭ ‬وحب،‭ ‬يطمحون‭ ‬بممشى‭ ‬عابر‭ ‬وحديقة‭ ‬غير‭ ‬مكتئبة،‭ ‬لا‭ ‬كحديقة‭ ‬وساحل‭ ‬أبوصبح‭ ‬المصاب‭ ‬بالاكتئاب‭. ‬سار‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬إسكاني‭ ‬يستجمع‭ ‬المتكدسين‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬بيوت‭ ‬الآباء‭ ‬ومركز‭ ‬صحي‭ ‬ومدرسة‭ ‬إعدادية‭ ‬للبنات‭! ‬فسار‭ ‬عرفت‭ ‬بالأراضي‭ ‬الكبيرة،‭ ‬والإنجازات‭ ‬الصغيرة‭... ‬مجتمع‭ ‬منذور‭ ‬للانتظار‭ ‬والأحلام‭ ‬المؤجلة‭ ‬والمختومة‭ ‬بمنطق‭ ‬الأبدية‭. ‬

2‭. ‬معظم‭ ‬قرارات‭ ‬الإدارة‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬إدارات‭ ‬المآتم‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭.‬

3‭. ‬موضوع‭ ‬جنوسان‭ ‬وعلاقة‭ ‬الأوقاف‭ ‬ملف‭ ‬يحتاج‭ ‬دراسة‭ ‬دقيقة‭ ‬لترتيب‭ ‬الوقف‭ ‬والأوراق‭. ‬

شكرا‭ ‬لأهالي‭ ‬رأس‭ ‬الرمان،‭ ‬وسوف‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬منطقتكم،‭ ‬وأهمية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مأتم‭ ‬رأس‭ ‬الرمان‭ ‬لكل‭ ‬رأس‭ ‬الرمان،‭ ‬وأن‭ ‬تعود‭ ‬المنطقة‭ ‬قلبا‭ ‬واحدا‭ ‬ويدا‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الجمال‭.‬