ستة على ستة

مات الأب

| عطا السيد الشعراوي

رغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هاجسًا‭ ‬مؤرقًا‭ ‬لحياتي‭ ‬ومنغصًا‭ ‬لراحتي‭ ‬وأوقاتي،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتخيل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وقع‭ ‬سماع‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭ ‬والدي‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬القسوة‭ ‬والألم‭ ‬وأن‭ ‬يسبب‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الحزن‭ ‬والوجع،‭ ‬وأدعو‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يلهمني‭ ‬الصبر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الفراق‭ ‬الصعب‭.‬

ورغم‭ ‬إيماني‭ ‬بأن‭ ‬الموت‭ ‬حق‭ ‬وأن‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬وقتا‭ ‬حدده‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬وأجل‭ ‬قدره،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أدعو‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يطيل‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬أبي‭ ‬لأظل‭ ‬إلى‭ ‬جواره‭ ‬أسعد‭ ‬بحبه‭ ‬وأنهل‭ ‬من‭ ‬عطفه‭ ‬وحنانه‭ ‬وأستمد‭ ‬من‭ ‬عونه‭ ‬ما‭ ‬يعينني‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬ويحفزني‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬نجاحات‭ ‬لكي‭ ‬أسردها‭ ‬وأقصها‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬وليلة‭ ‬لأنني‭ ‬أعرف‭ ‬أنه‭ ‬يشتاق‭ ‬لسماعها‭ ‬ويزداد‭ ‬سعادة‭ ‬وبهجة‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬ثمرة‭ ‬من‭ ‬ثمار‭ ‬تربيته‭ ‬وحصادًا‭ ‬لما‭ ‬زرع‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬صفات‭.‬

ورغم‭ ‬أنه‭ ‬الإنسان‭ ‬الأعز‭ ‬إلى‭ ‬نفسي‭ ‬والأقرب‭ ‬إلى‭ ‬روحي‭ ‬وقلبي،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتخيل‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬بجواره‭ ‬عند‭ ‬موته،‭ ‬بل‭ ‬ولا‭ ‬أحضر‭ ‬جنازته‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬لم‭ ‬نشهدها‭ ‬ولم‭ ‬نعهدها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬لكنني‭ ‬أصبر‭ ‬نفسي‭ ‬وأهون‭ ‬عليها‭ ‬بمحاولتي‭ ‬إقناعها‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬خير‭ ‬لي‭ ‬ولأبي‭ ‬لأن‭ ‬الفراق‭ ‬حتما‭ ‬سيكون‭ ‬أصعب‭ ‬وأشق‭ ‬إن‭ ‬كنا‭ ‬بجوار‭ ‬بعضنا‭.‬

ورغم‭ ‬أنني‭ ‬رأيت‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الصبر‭ ‬والثبات‭ ‬وحسن‭ ‬الخاتمة‭ ‬لأبي‭ ‬ما‭ ‬يسعد‭ ‬قلبي‭ ‬ويطمئن‭ ‬نفسي‭ ‬ويخفف‭ ‬من‭ ‬حزني‭ ‬على‭ ‬الفراق،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬غيابه‭ ‬يفجر‭ ‬كل‭ ‬مشاعر‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى‭ ‬ويولد‭ ‬ألما‭ ‬شديدا‭ ‬وينثر‭ ‬في‭ ‬أيامي‭ ‬قسوة‭ ‬كنت‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬أتغلب‭ ‬عليها‭ ‬بقوة‭ ‬وجود‭ ‬أبي‭ ‬في‭ ‬حياتي‭.‬

ومن‭ ‬كرم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬جعل‭ ‬الباب‭ ‬مفتوحًا‭ ‬لأن‭ ‬نبر‭ ‬آباءنا‭ ‬بعد‭ ‬موتهم،‭ ‬وأن‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أعمال‭ ‬البرّ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬حسناتهم‭ ‬بعد‭ ‬وفاتهم،‭ ‬الولد‭ ‬الصالح‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬له،‭ ‬فاللهم‭ ‬ارحم‭ ‬روحاً‭ ‬صعدت‭ ‬إليك‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬بيننا‭ ‬وبينها‭ ‬إلا‭ ‬الدعاء،‭ ‬وأكرم‭ ‬نزله‭ ‬ووسع‭ ‬مدخله‭ ‬وارفع‭ ‬درجته‭ ‬وأفسح‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬قبره‭ ‬ونوره،‭ ‬وأبدله‭ ‬دارًا‭ ‬خيرًا‭ ‬من‭ ‬داره‭ ‬وأهلاً‭ ‬خيرًا‭ ‬من‭ ‬أهله‭.‬