وَخْـزَةُ حُب

صيف بلا سفر!

| د. زهرة حرم

ها‭ ‬هو‭ ‬الصيف‭ ‬حلّ،‭ ‬وسبقه‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬إعصار‭ ‬كورونا،‭ ‬الذي‭ ‬أكل‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭ ‬من‭ ‬مُتع‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬الشتاء،‭ ‬ونزل‭ ‬كرزيّة‭ ‬كان‭ ‬أبرز‭ ‬صورها‭ ‬المُبكرة‭: ‬منع‭ ‬السفر‭! ‬في‭ ‬قرار‭ ‬دولي‭ ‬سيادي‭ ‬حظر‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬السفر‭: ‬برًا،‭ ‬وبحرًا،‭ ‬وجوًّا،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تعالت‭ ‬فيه‭ ‬الأصوات‭ ‬الرسمية،‭ ‬بالتزام‭ ‬المنازل،‭ ‬وعدم‭ ‬الخروج‭ ‬منها،‭ ‬إلا‭ ‬للضرورة‭.‬

قرارات‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭ ‬ولا‭ ‬ريب‭ ‬في‭ ‬ذلك؛‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬تضافرت‭ ‬جميعها؛‭ ‬لتُحكم‭ ‬السياج‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬اعتادوا‭ ‬التنقل،‭ ‬والسفر‭ ‬المتكرر،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬يجدون‭ ‬فيه؛‭ ‬تسلية،‭ ‬وتغييرًا،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬هواية؛‭ ‬تخرجهم‭ ‬من‭ ‬المألوف‭ ‬والروتين‭ ‬الحياتي،‭ ‬إلى‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يستشعرون‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬تجديدًا‭ ‬لطاقاتهم‭ ‬التي‭ ‬أثقلتها‭ ‬متاعب‭ ‬الحياة‭.‬

مَن‭ ‬يُتابع‭ ‬أخبار‭ ‬السفر‭ ‬فترة‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬أو‭ ‬توقعات‭ ‬ما‭ ‬بعدها؛‭ ‬يجد‭ ‬أنها‭ ‬تُركز‭ ‬على‭ ‬الإجراءات‭ ‬الوقائية‭ ‬المكثفة،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬مُجملها‭ ‬إجراءات‭ ‬طويلة،‭ ‬وتعليمات‭ ‬مُعقدة‭ ‬نسبيًا،‭ ‬تبدأ‭ ‬مع‭ ‬قرار‭ ‬الفرد‭ ‬بالسفر،‭ ‬ولا‭ ‬تكاد‭ ‬تنتهي‭ ‬بسهولة‭ ‬مع‭ ‬قرار‭ ‬العودة‭! ‬وكأن‭ ‬السفر‭ ‬رحلة‭ ‬مغامرة،‭ ‬بل‭ ‬مخاطرة،‭ ‬محفوفة‭ ‬بالمفاجآت‭!‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬“السفر”‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬لخسارة‭ ‬بريقه،‭ ‬وفقدان‭ ‬معانيه‭ ‬الجميلة؛‭ ‬فبدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ترويحًا؛‭ ‬يصبح‭ ‬تضييقًا‭! ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تخفيفًا؛‭ ‬يصبح‭ ‬عبئًا،‭ ‬بل‭ ‬نافذة‭ ‬تأخذنا‭ ‬إلى‭ ‬المجهول‭! ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إصرار‭ ‬شركات‭ ‬النقل‭ ‬والسفريات‭ ‬أو‭ ‬الطيران‭ ‬على‭ ‬التزام‭ ‬معايير‭ ‬السلامة‭ ‬كافة،‭ ‬بكل‭ ‬حيثياتها‭ ‬وجزئياتها؛‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يُفتح‭ ‬المجال‭ ‬للسفر؛‭ ‬فإن‭ ‬مجرد‭ ‬التفكير‭ ‬بالسفر؛‭ ‬سيحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تخطيط‭ ‬مرير،‭ ‬وتدبيرِ‭ ‬فردٍ‭ ‬قادرٍ‭ ‬مُحَنّكٍ‭ ‬وحكيم‭.‬

هذا‭ ‬الصيف‭ ‬الذي‭ ‬يُلزمك‭ ‬منزلك،‭ ‬من‭ ‬الحريّ‭ ‬به،‭ ‬والطبيعي‭ ‬جدًا؛‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بلا‭ ‬سفر،‭ ‬وأيًّا‭ ‬يكن‭ ‬الضيق‭ ‬أو‭ ‬الانزعاج؛‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يساوي‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تتجشمه‭ ‬من‭ ‬عناء،‭ ‬لو‭ ‬تخيلتَ‭ ‬–‭ ‬مجرد‭ ‬التخيل‭ ‬–‭ ‬أنه‭ ‬مسموح‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تَسيح‭ ‬في‭ ‬البلدان،‭ ‬كيفما‭ ‬تشاء،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬كاملة،‭ ‬وأنت‭ ‬تتوجس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حولك‭: ‬المطار‭ ‬مثلا،‭ ‬والطائرة،‭ ‬ثم‭ ‬التاكسي،‭ ‬والفندق،‭ ‬وقس‭ ‬عليها‭ ‬تحركاتك‭ ‬كلها،‭ ‬هل‭ ‬تخيلت؟‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬البيت‭ ‬راحة‭ ‬بال،‭ ‬والوطن‭ ‬دوحة‭ ‬أمان‭. ‬صيف‭ ‬بلا‭ ‬سفر،‭ ‬ولا‭ ‬صيف‭ ‬مع‭ ‬خطر‭!‬