السعادة قرار أم قدر محتوم؟

| هدى حرم

مازالَ‭ ‬الإنسانُ‭ ‬في‭ ‬بحثٍ‭ ‬حثيثٍ‭ ‬عن‭ ‬السعادةِ‭ ‬منذُ‭ ‬القِدَم؛‭ ‬فتراهُ‭ ‬يبذلُ‭ ‬فِكرهُ‭ ‬ومالهُ‭ ‬في‭ ‬سبيلِ‭ ‬الوصولِ‭ ‬إليها،‭ ‬لكنها‭ ‬تبقى‭ ‬سراً‭ ‬لا‭ ‬يُدْركهُ‭ ‬إلا‭ ‬السعداءُ‭ ‬حقاً؛‭ ‬فكيف‭ ‬نُعرِّفُ‭ ‬السعادة؟

السعادةُ‭ ‬مفهومٌ‭ ‬يختلفُ‭ ‬في‭ ‬تعريفهِ‭ ‬الفلاسفةُ‭ ‬والمفكرونَ‭ ‬والبسطاءُ‭ ‬من‭ ‬الناس؛‭ ‬فبينما‭ ‬يظنُ‭ ‬البعضُ‭ ‬أنَّها‭ ‬الغنى‭ ‬والثراء‭ ‬وامتلاك‭ ‬الأموالِ‭ ‬الطائلة،‭ ‬يرى‭ ‬الفلاسفةُ‭ ‬والمفكرون‭ ‬أنها‭ ‬شعورٌ‭ ‬مرتبطٌ‭ ‬بالغيابِ‭ ‬الواعي‭ ‬للألمِ‭ ‬والإزعاج‭. ‬يقول‭ ‬الفيلسوف‭ ‬“نيكولا‭ ‬شامفور”‭ ‬إنَّ‭ ‬السعادةَ‭ ‬ليست‭ ‬بالأمرِ‭ ‬الهين،‭ ‬فمن‭ ‬الصعبِ‭ ‬أنْ‭ ‬نعثُرَ‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬دواخلِنا،‭ ‬ومن‭ ‬المستحيلِ‭ ‬أنْ‭ ‬نعثُرَ‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬بذلك‭ ‬نرى‭ ‬أنَّ‭ ‬مفهومَ‭ ‬السعادةِ‭ ‬هو‭ ‬مفهومٌ‭ ‬نسبيٌ‭ ‬يختلفُ‭ ‬من‭ ‬شخصٍ‭ ‬لآخر،‭ ‬ولا‭ ‬ينحصر‭ ‬بنطاق‭ ‬حسي‭ ‬ولا‭ ‬عقلاني،‭ ‬بل‭ ‬يتجاوزُ‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خياليٌ‭ ‬كذلك،‭ ‬ولا‭ ‬عجبَ‭ ‬إذاً‭ ‬أنْ‭ ‬يصعُبَ‭ ‬حصرهُ‭ ‬وضبطهُ‭ ‬في‭ ‬كلماتٍ‭ ‬قليلةٍ‭ ‬تصفهُ‭.‬

أقول،‭ ‬إنَّ‭ ‬بذورَ‭ ‬السعادةِ‭ ‬تكمُنُ‭ ‬في‭ ‬دواخلِنا‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬دائمي‭ ‬البحثِ‭ ‬عنها‭ ‬خارجَ‭ ‬أرواحِنا‭ ‬وأنفسِنا؛‭ ‬فنستنزف‭ ‬طاقاتِنا‭ ‬في‭ ‬العملِ‭ ‬والعائلةِ‭ ‬والأموالِ‭ ‬وصناعةِ‭ ‬الأطعمة،‭ ‬ولو‭ ‬تفحَّصنا‭ ‬كوامنَ‭ ‬ذواتِنا‭ ‬للبحثِ‭ ‬عن‭ ‬السعادةِ‭ ‬الحقيقيةِ‭ ‬لوجدناها‭ ‬مختبئةً‭ ‬في‭ ‬الإيمانِ‭ ‬والعملِ‭ ‬الصالحِ‭ ‬السليمِ‭ ‬والبنّاءِ‭ ‬الذي‭ ‬ترقى‭ ‬به‭ ‬الأممُ‭ ‬ويُنْتجُ‭ ‬الرضا‭ ‬والسلام‭ ‬الداخلي‭ ‬لدينا‭. ‬ونحنُ‭ ‬كأمةٍ‭ ‬مسلمةٍ‭ ‬نرى‭ ‬أنَّ‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬الفانيةِ‭ ‬تكمُنُ‭ ‬في‭ ‬اتخاذها‭ ‬معبراً‭ ‬للآخرةِ،‭ ‬بدون‭ ‬الاكتراثِ،‭ ‬اختيارياً،‭ ‬بالمحنِ‭ ‬التي‭ ‬نتعرضُ‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المعبر؛‭ ‬فالسعادةُ‭ ‬الحقة‭ ‬الأبدية‭ ‬تنتظرُنا‭ ‬هناكَ‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭.‬

السعادةُ‭ ‬إذاً‭ ‬ليستْ‭ ‬قدراً‭ ‬وليس‭ ‬الحزنُ‭ ‬قدراً‭ ‬هو‭ ‬الآخر،‭ ‬وبإمكانِ‭ ‬المرءِ‭ ‬أنْ‭ ‬يُقررَ‭ ‬أنْ‭ ‬يكونَ‭ ‬سعيداً‭ ‬بإرادتهِ‭ ‬وصبرهِ‭ ‬ورغبته،‭ ‬وما‭ ‬إنْ‭ ‬يُقرر‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬يشعرَ‭ ‬بالفرحِ‭ ‬لأبسطِ‭ ‬الأشياءِ‭ ‬وأصغرِها‭ ‬وينظرَ‭ ‬إليها‭ ‬بعينِ‭ ‬الرضا‭ ‬والحب‭ ‬لا‭ ‬السُخط‭ ‬والكره‭. ‬الإنسانُ‭ ‬الذي‭ ‬اختارَ‭ ‬أنْ‭ ‬يكونَ‭ ‬سعيداً،‭ ‬يدفعُ‭ ‬عنه‭ ‬كلَّ‭ ‬ما‭ ‬يُنغِّصُ‭ ‬عليه‭ ‬فرحتهُ‭ ‬وسعادتهُ‭ ‬بيومه،‭ ‬ولا‭ ‬ينظرُ‭ ‬في‭ ‬شريطِ‭ ‬ذكرياتهِ‭ ‬المحزنة‭ ‬ولا‭ ‬يشعرُ‭ ‬بالقلقِ‭ ‬من‭ ‬الغد‭. ‬ورُغمَ‭ ‬أنَّ‭ ‬البلاءات‭ ‬والهموم‭ ‬والمتاعب‭ ‬تحوم‭ ‬حوله،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يسمحُ‭ ‬لها‭ ‬بالتغللِ‭ ‬إلى‭ ‬فِكرهِ‭ ‬وروحهِ‭ ‬لأنَّه‭ ‬قرَّرَ‭ ‬بوعيٍ‭ ‬أنْ‭ ‬يكونَ‭ ‬سعيداً‭. ‬السعادةُ‭ ‬خيار،‭ ‬والحزنُ‭ ‬والتعاسةُ‭ ‬خيار؛‭ ‬فاختاروا‭ ‬ما‭ ‬تستحقونهُ‭ ‬لأنفسِكم‭.‬