رؤية 2030 في ظل التطور الرقمي وغياب النظام التشريعي الناظم لعمليات الفوركس

| د. محمد رضا منصور بوحسين

إن‭ ‬تبني‭ ‬استراتيجية‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والثقافة‭ ‬الرقمية،‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المعايير‭ ‬للتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬باعتبارها‭ ‬تمثل‭ ‬روح‭ ‬العصر‭ ‬والمستقبل‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المعرفي‭ ‬Knowledge-Based Economy‭.‬

إذ‭ ‬لا‭ ‬تنمية‭ ‬مستدامة‭ ‬دون‭ ‬تطوير‭ ‬منظومة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وقيم‭ ‬وسلوكيات‭ ‬ومبتكرات‭ ‬تحقق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬والبحرين‭ ‬تولي‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭ ‬بالمعرفة‭ ‬والإبتكار‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬وتماشياً‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬أطلق‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2008‭ ‬“الرؤية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬2030”‭ ‬التي‭ ‬كرست‭ ‬الإستدامة‭ ‬وتحقيق‭ ‬مبادئ‭ ‬التنمية،‭ ‬وأولت‭ ‬الحكومة‭ ‬بقيادة‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزارء‭ ‬الموقر‭ ‬وبدعم‭ ‬نوعي‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬اهتمامًا‭ ‬خاصًّا‭ ‬بالتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبشرية‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬والحضرية‭ ‬واضعين‭ ‬أسس‭ ‬نطاق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬لمستقبل‭ ‬البحرين‭ ‬بالألفية‭ ‬الثالثة‭.‬

تمتلك‭ ‬البحرين‭ ‬تجربة‭ ‬ثرية‭ ‬ونوعية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التنمية‭ ‬بشتى‭ ‬أبعادها،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬تواكب‭ ‬حركة‭ ‬التطور‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬السباقة‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬واستحداث‭ ‬الأفضل‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬التنمية‭ ‬والتطوير،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنها‭ ‬وفق‭ ‬عوامل‭ ‬تاريخية‭ ‬واقتصادية‭ ‬كانت‭ ‬مهدا‭ ‬للتجارة‭ ‬ومركزا‭ ‬مالياً‭ ‬بالمنطقة‭ ‬ونموذجاً‭ ‬للحداثة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجرؤنا‭ ‬على‭ ‬إبداء‭ ‬المقترحات‭ ‬والنقد‭ ‬البناء‭ ‬لملء‭ ‬الفراغات،‭ ‬ومنها‭ ‬اقتراح‭ ‬أهمية‭ ‬إعداد‭ ‬منظومة‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتشريعية‭ ‬تتلاءم‭ ‬مع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المعرفي‭ ‬والرقمي‭ ‬والتطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬قلب‭ ‬وجوهر‭ ‬العهد‭ ‬الجديد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إحدى‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الواضحة‭ ‬في‭ ‬“الرؤية‭ ‬الإقتصادية‭ ‬2030”‭.‬

من‭ ‬المعلوم،‭ ‬أن‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الاتصالات‭ ‬والانترنت‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬يغير‭ ‬الأنماط‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والمالي‭ ‬وعلى‭ ‬طبيعة‭ ‬التداول‭ ‬والمعاملات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية‭ ‬بالتحول‭ ‬نحو‭ ‬التداول‭ ‬الالكتروني‭ ‬التي‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬مصطلح‭ ‬“فوركس”،‭ ‬ونتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الاستثمارات،‭ ‬وأصبح‭ ‬العملاء‭ ‬يستخدمون‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاسوبية‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬عمليات‭ ‬البيع‭ ‬والشراء‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬صفقات‭ ‬كبرى‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬بطرق‭ ‬سهلة‭.‬

ويشير‭ ‬مصطلح‭ ‬“فوركس”‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العملات‭ ‬الأجنبية‭ ‬أو‭ ‬البورصة‭ ‬العالمية‭ ‬للعملات،‭ ‬وهو‭ ‬سوق‭ ‬يمتد‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬حيث‭ ‬تصرف‭ ‬العملات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬مشاركين،‭ ‬مثل‭ ‬البنوك‭ ‬العالمية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬والأسواق‭ ‬المالية‭ ‬والمتداولون‭ ‬الأفراد‭. ‬ويتم‭ ‬التداول‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬شراء‭ ‬وبيع‭ ‬العملات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تحوز‭ ‬على‭ ‬الحصة‭ ‬الأساسية‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الفوركس‭ ‬وهي‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي،‭ ‬اليورو‭ ‬الأوربي،‭ ‬الجنيه‭ ‬الاسترليني،‭ ‬الين‭ ‬الياباني‭ ‬وعملات‭ ‬أخرى‭ ‬عربية‭ ‬وأجنبية‭.‬

وقد‭ ‬برزت‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬أنشأت‭ ‬فروعا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬التشريع‭ ‬القانوني‭ ‬المنظم‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬تمارس‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬أنشطتها‭ ‬متخفية‭ ‬في‭ ‬عباءات‭ ‬مختلفة‭ ‬وتحت‭ ‬مظلة‭ ‬قانونية‭ ‬خاصة‭ ‬“بتسويق‭ ‬الخدمات”،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التأصيل‭ ‬والمضمون‭ ‬لا‭ ‬تنظم‭ ‬عمليات‭ ‬الفوركس‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية‭ ‬والمالية،‭ ‬ويكشف‭ ‬ذلك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفراغ‭ ‬التشريعي‭ ‬للمشرع‭ ‬البحريني‭ ‬الذي‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬يتداركه‭ ‬خاصة‭ ‬وإن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬تمثل‭ ‬واجهة‭ ‬مالية‭ ‬هامة‭ ‬بالمنطقة‭. ‬

إن‭ ‬غياب‭ ‬النص‭ ‬والإطار‭ ‬التشريعي‭ ‬لتجارة‭ ‬“الفوركس”‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تشويه‭ ‬سمعة‭ ‬تجارة‭ ‬الفوركس‭ - ‬مع‭ ‬تعاظم‭ ‬أهميتها‭ ‬اقتصاديا‭ - ‬نتيجة‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬جرائم‭ ‬النصب‭ ‬والاحتيال‭ ‬على‭ ‬المستثمرين‭ ‬بغرض‭ ‬التربح‭ ‬غير‭ ‬القانوني،‭ ‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬ايجاد‭ ‬إطار‭ ‬تنظيمي‭ ‬وقانوني‭ ‬لتجارة‭ ‬الفوركس‭ ‬يبقى‭ ‬مطلبا‭ ‬وضرورة‭ ‬استراتيجية‭ ‬لأهمية‭ ‬ودور‭ ‬هذه‭ ‬التجارة‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬وايجاد‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬التنظيمي‭ ‬والقانوني‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬خاصة‭ ‬وإنشاء‭ ‬هيئة‭ ‬رقابية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬عموما‭ ‬سوف‭ ‬يمثل‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬صناعة‭ ‬الفوركس‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

‭ ‬وإن‭ ‬تأسيس‭ ‬“هيئة‭ ‬عربية”‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬لجنة‭ ‬العقود‭ ‬المستقبلية‭ ‬والتداول‭ ‬بالسلع‭ ‬الأميركية‭ ‬تتولى‭ ‬منح‭ ‬التراخيص‭ ‬ومراقبة‭ ‬عمل‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬المستثمرين‭ ‬والمتداولين‭ ‬يشعرون‭ ‬بالطمأنينة‭ ‬بأن‭ ‬أموالهم‭ ‬مصانة‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬وفي‭ ‬أمان،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تتعاظم‭ ‬وتكسب‭ ‬تداولات‭ ‬الفوركس‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬السمة‭ ‬القانونية‭ ‬والشرعية‭. ‬

إننا‭ ‬ومع‭ ‬ثقتنا‭ ‬بما‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬سوق‭ ‬المال‭ ‬البحريني‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬تنافسية‭ ‬عالية‭ ‬وعالمية،‭ ‬فإنه‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بسوق‭ ‬المال‭ ‬البحريني‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬أدوات‭ ‬التداول‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بجذب‭ ‬شرائح‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المتعاملين‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬المال‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬مستثمري‭ ‬السوق‭ ‬الحاليين‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬نمو‭ ‬وازدهار‭ ‬الحياة‭ ‬الرقمية‭ ‬بشكل‭ ‬رهيب،‭ ‬آملين‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬البحرين‭ ‬سباقة‭ ‬كما‭ ‬عهدناها‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬تشريع‭ ‬يعنى‭ ‬بتنظيم‭ ‬تجارة‭ ‬الفوركس‭ ‬والمحرك‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬جهة‭ ‬رقابية‭ ‬عربية‭ ‬موحدة‭ ‬تتولى‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬تجارة‭ ‬الفوركس‭ ‬والترخيص‭ ‬للشركات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تنامي‭ ‬هذه‭ ‬التجارة‭ ‬وانطلاقها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬دولي‭ ‬واسع،‭ ‬وذلك‭ ‬بالحقيقة‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬جوهر‭ ‬“الرؤية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬2030”‭.‬