في أعقاب “الكورونا”... النظام الرأسمالي: ما له وما عليه

| تقي محمد البحارنة

تواجه‭ ‬الرأسمالية‭ ‬باعتبارها‭ ‬نظاما‭ ‬اقتصاديا‭ ‬حرا،‭ ‬انتقادات‭ ‬واسعة‭ ‬منذ‭ ‬نشوئها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الصناعي‭ ‬المتقدم‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭. ‬كما‭ ‬تواجه‭ ‬وليدتها‭ (‬العولمة‭) ‬والنيوليبرالية،‭ ‬المصير‭ ‬نفسه‭.‬

وقد‭ ‬تعالت‭ ‬أصوات‭ ‬النقاد‭ ‬ونذرهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬مع‭ ‬تفشي‭ ‬وباء‭ ‬جائحة‭ ‬الكورونا‭ ‬وهم‭ ‬يتنبأون‭ ‬بأن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬لنظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬تخضع‭ ‬فيه‭ ‬الأنشطة‭ ‬والأنظمة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬وحرية‭ ‬السوق‭ ‬المطلقة،‭ ‬لقيود‭ ‬تفرض‭ ‬عليها‭ ‬مراعاة‭ ‬العوامل‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التوسعي‭ ‬غير‭ ‬المنضبط‭ ‬والعابر‭ ‬للقارات،‭ ‬ومراعاة‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى‭ ‬اجتماعية‭ ‬وبيئية‭ ‬وخدمية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحة‭ ‬والدواء‭ ‬ومكافحة‭ ‬الأوبئة‭ ‬والاحتياط‭ ‬للكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬وتوفير‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬اللازمة‭ ‬لمواجهة‭ ‬تلك‭ ‬الاحتياجات‭ ‬وغيرها،‭ ‬وذلك‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬إنفاق‭ ‬الأموال‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬الحروب‭.‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فهناك‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬يطالب‭ ‬بإحداث‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬الدول‭ ‬تجاه‭ ‬تشجيع‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ومشاركتها‭ ‬في‭ ‬القرار،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬نقابات‭ ‬العمال‭ ‬وأصحاب‭ ‬المهن‭ ‬الحرة‭ ‬وجمعيات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وجمعيات‭ ‬أنصار‭ ‬البيئة‭ ‬وغيرها‭.‬

كما‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬المفاوضات‭ ‬الجماعية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬والشمال‭ ‬ومعسكر‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬والعالم‭ ‬المتقدم‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يمسك‭ ‬بيده‭ ‬مفاتيح‭ ‬التقدم‭ ‬والتنمية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬وشعوب‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬ثم‭ ‬يبخل‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تنميتها‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬بالشروط‭ ‬الإذعانية‭ ‬والمذلة‭.‬

ولابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأنظمة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬في‭ ‬مسيرتها‭ ‬الحالية‭ ‬تستفيد‭ ‬منها‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬ذات‭ ‬الاستعمار‭ ‬العريق‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الدول‭ ‬النامية،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬يقظة‭ ‬جديدة‭ ‬لدى‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬كثيرا‭ ‬للمطالبة‭ ‬بحقوقها‭ ‬في‭ ‬التعويض‭ ‬العادل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬المستعمرة‭. ‬

ومنذ‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬أقر‭ ‬البرلمان‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬اقتراحا‭ ‬بمطالبة‭ ‬فرنسا‭ ‬بالتعويض‭ ‬العادل‭ ‬خلال‭ ‬ثمانين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬لتونس‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬أنه‭ ‬يتمتع‭ ‬بالمرونة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التلون

تلون‭ ‬الحرباء‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬ثم‭ ‬الدخول‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬آخر‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬نفسها‭.‬

فالهجمة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الشرسة‭ ‬وقهر‭ ‬الشعوب‭ ‬واستغلال‭ ‬ثرواتها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تحولت‭ ‬بعد‭ ‬استنفاد‭ ‬مبرراتها‭ ‬حينما‭ ‬نالت‭ ‬الشعوب‭ ‬استقلالها‭ ‬بعد‭ ‬كفاح‭ ‬مرير‭.. ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬استعمار‭ ‬اقتصادي‭ ‬فرض‭ ‬هيمنته‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬بعد‭ ‬استقلالها،‭ ‬فأحكمت‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ومجالات‭ ‬التنمية،‭ ‬وفي‭ ‬السياسة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الدول‭ ‬المستقلة‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬مثل‭ ‬أميركا‭ ‬اللاتينية‭ ‬ودول‭ ‬إفريقيا‭ ‬واسيا،‭ ‬والإطاحة‭ ‬بالأنظمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تذعن‭ ‬لتبعية‭ ‬الدول‭ ‬المستعمرة‭.‬

وحين‭ ‬تشعر‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬بوجود‭ ‬أخطار‭ ‬محتملة‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تتورع‭ ‬عن‭ ‬استعمال‭ ‬القوة‭ ‬القاهرة‭ ‬والغزو‭ ‬المسلح‭ ‬وإثارة‭ ‬الفوضى‭ ‬المدمرة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬المقاطعة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتجويع‭ ‬الشعوب‭.. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬حاصل‭ ‬اليوم‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إثبات‭.‬

ومن‭ ‬الوسائل‭ ‬الأخرى‭ ‬المرنة‭ ‬التي‭ ‬لجأت‭ ‬إليها‭ ‬دول‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم‭ ‬استغلال‭ ‬مجال‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬إغراق‭ ‬الدول‭ ‬الناهضة‭ ‬بالمستشارين‭ ‬والفنيين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الرواتب‭ ‬الباهظة،‭ ‬فتراهم‭ ‬يتغلغلون‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تستعين‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة‭ ‬ومجال‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬ويستلون‭ ‬أسرار‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬المراكز‭ ‬الحساسة‭ ‬كالأمن‭ ‬وتزويد‭ ‬السلاح‭ ‬والخدمات‭ ‬والصناعة‭ ‬والمجالات‭ ‬الأخرى‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتيارات‭ ‬السياسية‭ ‬ومراقبتها؛‭ ‬ليعرفوا‭ ‬مصادر‭ ‬الضعف‭ ‬والقوة‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الدول‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المصادر‭ ‬والمعلومات‭ ‬عند‭ ‬اللزوم‭.‬

تحضرني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬ملاحظات‭ ‬قيمة‭ ‬أدلت‭ ‬بها‭ ‬شخصية‭ ‬مصرية‭ ‬محترمة‭ ‬ومرموقة‭.‬

وأعني‭ ‬بذلك‭ ‬الدكتور‭ ‬محمود‭ ‬فوزي‭ ‬المستشار‭ ‬برئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭. ‬فقد‭ ‬زرته‭ ‬لتوديعه‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬العام‭ ‬1974‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬بديوان‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬وحدثني‭ ‬بلهجة‭ ‬يبدو‭ ‬عليها‭ ‬التململ‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬انتشار‭ ‬الخبراء‭ ‬والمستشارين‭ ‬والفنيين‭ ‬الأميركيين‭ ‬والأجانب‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬مصر‭ ‬الرسمية‭ ‬لاسيما‭ ‬العسكرية‭ ‬منها؛‭ ‬بغرض‭ ‬التطوير‭ ‬والتدريب‭ ‬وتقديم‭ ‬المشورات‭ ‬الفنية‭ ‬وغيرها‭..‬

ومن‭ ‬جملة‭ ‬ما‭ ‬شرحه‭ ‬لي‭ ‬قوله‭ ‬بما‭ ‬معناه‭ ‬“إن‭ ‬تغلغل‭ ‬الخبراء‭ ‬والمستشارين‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬هو‭ ‬الصورة‭ ‬الجديدة‭ ‬للاستعمار‭ ‬الحديث‭. ‬فقد‭ ‬انتهى‭ ‬عهد‭ ‬الاستعمار‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الاحتلال‭ ‬المباشر‭ ‬للدول‭. ‬كما‭ ‬أوشك‭ ‬عصر‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬الانتهاء،‭ ‬واليوم‭ ‬فهؤلاء‭ ‬من‭ ‬الفنيين‭ ‬والخبراء‭ ‬الأجانب‭ ‬أصبح‭ ‬بإمكانهم‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬أسرار‭ ‬الدولة‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬أجهزتها‭ ‬وأنواع‭ ‬التسليح‭ ‬في‭ ‬جيشها‭ ‬وأنشطة‭ ‬المخابرات‭ ‬فيها‭ ‬ومعرفة‭ ‬مواطن‭ ‬القوة‭ ‬والضعف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك”‭.‬

وأضاف‭ ‬أنه‭ ‬نقل‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬إلى‭ ‬السادات‭ ‬مقترحا‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬للأدمغة‭ ‬المصرية‭ ‬لاسيما‭ ‬المهاجرة‭ ‬منها‭ ‬وتشجيعها‭ ‬على‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬المغرية‭ ‬لتسلم‭ ‬تلك‭ ‬المناصب،‭ ‬وكذلك‭ ‬الاهتمام‭ ‬بشباب‭ ‬مصر‭ ‬المتعلم‭ ‬وتشجيعهم‭ ‬للتخصص‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المجالات،‭ (‬انتهى‭).‬

وعودة‭ ‬إلى‭ ‬الموضوع‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬ليس‭ ‬شرا‭ ‬كله‭. ‬فقد‭ ‬تحققت‭ ‬عن‭ ‬طريقه‭ ‬نهضة‭ ‬الأمم‭ ‬الصناعية‭ ‬وحرية‭ ‬التجارة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬استفادت‭ ‬منه‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬وأدت‭ ‬المنافسة‭ ‬الحرة‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتخفيض‭ ‬أسعار‭ ‬السلع‭ ‬وفتح‭ ‬المجال‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬للإبداع‭ ‬والابتكار‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬المخترعين‭ ‬والأفراد‭ ‬وتوثيقها‭ ‬رسميا‭ ‬وحقوق‭ ‬التملك‭ ‬بأنواعها،‭ ‬ومكافأة‭ ‬الفنيين‭ ‬والمبدعين‭ ‬والمخترعين‭ ‬ماديا‭ ‬ومعنويا‭ ‬بما‭ ‬تم‭ ‬رصده‭ ‬من‭ ‬جوائز‭ ‬ومكافآت‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلان‭ ‬والترويج‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المستهلك‭ ‬وإغراءات‭ ‬صرف‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬جيبه‭ ‬على‭ ‬السلع‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬والكمالية‭.‬

وبعد‭ ‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬الشيوعي‭ ‬الاشتراكي‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬غير‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬لسيادة‭ ‬العالم‭ ‬كأمر‭ ‬واقع،‭ ‬باستثناء‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تتمسك‭ ‬بالنظام‭ ‬الاشتراكي‭ ‬ظاهرا‭ ‬وتدير‭ ‬دفتها‭ ‬بنحو‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬تجاه‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬مميزات‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬باطنا‭. ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬العملاق‭ ‬الصيني،‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬الفلك‭ ‬يمينا‭ ‬أو‭ ‬شمالا‭.‬

في‭ ‬عصر‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬كانت‭ ‬الاشتراكية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬تترنح‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬أيامها‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬السادات‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الرأسمالية‭ ‬والشركات‭ ‬الأجنبية‭ ‬وتخصيص‭ ‬شركات‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭.. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬إحراج‭ ‬لدعاة‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬وكان‭ ‬موقفه‭ ‬التمسك‭ ‬ظاهريا‭ ‬وكلاميا‭ ‬بالاشتراكية‭ ‬الموروثة‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬يمضي‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬الآخر‭. ‬فجاءت‭ ‬هذه‭ ‬النكتة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬المصريين‭:‬

قالوا‭ ‬إن‭ ‬سيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬وقفت‭ ‬عند‭ ‬مفترق‭ ‬الطرق‭ ‬وسأله‭ ‬السائق‭ ‬كيف‭ ‬يدور‭ ‬فأجاب‭: ‬حرك‭ ‬الإشارة‭ ‬على‭ ‬اليسار‭ ‬لكن‭ ‬توجه‭ ‬بالسيارة‭ ‬إلى‭ ‬اليمين‭.‬

وعودة‭ ‬إلى‭ ‬الموضوع‭... ‬لعل‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬برهة‭ ‬وجيزة‭ ‬عند‭ ‬تعريف‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬وما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ميزات‭ ‬وما‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مآخذ‭:‬

تتعدد‭ ‬التعريفات‭ ‬لماهية‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬ومعظمها‭ ‬يتفق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الرأسمالية‭ ‬هي‭ ‬نظام‭ ‬اقتصادي‭ ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬والأرباح‭ ‬مملوكة‭ ‬لأصحاب‭ ‬الأموال‭ ‬دون‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬الكادحين‭. ‬وأنها‭ ‬نظام‭ ‬اقتصادي‭ ‬تعود‭ ‬فيه‭ ‬ملكية‭ ‬وسائل‭ ‬الإنتاج‭ ‬لأصحاب‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬يتم‭ ‬استعمالها‭ ‬بقصد‭ ‬جني‭ ‬الأرباح‭ ‬لصالح‭ ‬من‭ ‬يملكون‭ ‬المال‭. ‬وأنها‭ ‬نظام‭ ‬اقتصادي‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬السوق‭ ‬لتنمية‭ ‬الثروات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالملكية‭ ‬الفردية‭ ‬والمحافظة‭ ‬عليها‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الرقابة‭ ‬وضمن‭ ‬حدود‭ ‬السوق‭ ‬الحر‭.‬

وقد‭ ‬عددوا‭ ‬للنظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الحر‭ ‬إيجابيات‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬ذكره‭ ‬أهمها‭:‬

1‭. ‬المنافسة‭ ‬الحرة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬جودة‭ ‬الإنتاج‭ ‬والابتكار‭.‬

2‭. ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬العلمية‭ ‬يدفع‭ ‬بعجلة‭ ‬التطور‭ ‬والتقدم‭.‬

3‭. ‬تشجيع‭ ‬روح‭ ‬المبادرة‭.‬

4‭. ‬ارتفاع‭ ‬الدخل‭ ‬القومي‭.‬

وفي‭ ‬مقابل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬تتعدد‭ ‬المآخذ‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الحر‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭:‬

1‭. ‬ظهور‭ ‬الطبقية‭ ‬واستغلال‭ ‬العمال‭ ‬بسبب‭ ‬مبدأ‭ ‬الأسعار‭ ‬الحرة‭ ‬التي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬النظام‭ ‬ويسعى‭ ‬فيها‭ ‬نحو‭ ‬اختيار‭ ‬أقل‭ ‬الأجور‭ ‬للفئة‭ ‬العاملة‭.‬

2‭. ‬تركز‭ ‬الثروة‭ ‬في‭ ‬أيدٍ‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭.‬

3‭. ‬الاهتمام‭ ‬بالماديات‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأرباح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬وعدالة‭ ‬توزيع‭ ‬الثروة‭.‬

4‭. ‬حدوث‭ ‬أزمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬حادة‭ ‬وتزايد‭ ‬حجم‭ ‬البطالة‭.‬

5‭. ‬تقييد‭ ‬الحكومات‭ ‬والسياسات‭ ‬أمام‭ ‬الكيانات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الضخمة،‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬والتحكم‭ ‬فيه،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انحياز‭ ‬السياسة‭ ‬لطبقة‭ ‬بعينها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬ضعف‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭. ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬يضرب‭ ‬التدخل‭ ‬السياسي‭ ‬مسمارا‭ ‬في‭ ‬نعش‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بسبب‭ ‬شراء‭ ‬الأصوات،‭ ‬وتوجيه‭ ‬دفة‭ ‬القرارات‭ ‬السياسية‭ ‬للصالح‭ ‬الخاص‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭.‬

والخلاصة‭: ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬سوف‭ ‬يخضع‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬جائحة‭ ‬الكورونا‭ ‬للتغيير‭ ‬فأولى‭ ‬أن‭ ‬يطال‭ ‬التغيير‭ ‬مسيرة‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬لتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬حرية‭ ‬السوق‭ ‬ومصلحة‭ ‬المجتمع‭ ‬والأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬طبقا‭ ‬للقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬نزعة‭ ‬التسلط‭ ‬أو‭ ‬استغلال‭ ‬الدول‭ ‬الضعيفة‭ ‬وأسواقها‭ ‬ومواردها‭ ‬الطبيعية‭. ‬وبالاختصار‭ ‬تلافي‭ ‬العيوب‭ ‬والسلبيات‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬القائم‭.‬

وعسى‭ ‬ألا‭ ‬يخيب‭ ‬أمل‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬العدل‭ ‬والإنصاف‭ ‬وألا‭ ‬تصبح‭ ‬النتائج‭ ‬مخيبة‭ ‬للآمال‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭: ‬“لَقَد‭ ‬مَرَيتُكُمُ‭ ‬لَو‭ ‬أَنَّ‭ ‬دِرَّتَكُم،‭ ‬يَومًا‭ ‬يَجيءُ‭ ‬بِها‭ ‬مَسحي‭ ‬وَإِبساسي”‭.‬