ريشة في الهواء

غيروا خريطة العلاج وقللوا الألم

| أحمد جمعة

كنت‭ ‬قد‭ ‬كتبت‭ ‬مقالة‭ ‬لهذا‭ ‬اليوم‭ ‬غير‭ ‬هذه‭ ‬المقالة،‭ ‬لكن‭ ‬بآخر‭ ‬لحظة‭ ‬وفجأة‭ ‬غيرتُ‭ ‬دفة‭ ‬القلم‭! ‬واتخذتُ‭ ‬مسارا‭ ‬آخر‭ ‬صب‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬المصارحة‭ ‬بعد‭ ‬الآن،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬قراءة‭ ‬الأرقام‭ ‬المخيفة،‭ ‬ورؤية‭ ‬أسبانيا‭ ‬تتعافى‭. ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬العام،‭ ‬أو‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبي،‭ ‬يصطدم‭ ‬بالأرقام‭ ‬المتصاعدة،‭ ‬لنكن‭ ‬صريحين‭ ‬ونواجه‭ ‬الحقيقة‭ ‬لأجل‭ ‬سلامة‭ ‬الجميع،‭ ‬لقد‭ ‬اتخذت‭ ‬موقفا‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬بعدم‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬كورونا‭ ‬لسبب‭ ‬ما،‭ ‬وقد‭ ‬التزمتُ‭ ‬بذلك‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬حين‭ ‬توقفتُ‭ ‬وتأملتُ‭ ‬الوضع‭ ‬وقارنت‭ ‬بين‭ ‬الأرقام‭ ‬من‭ ‬حولي،‭ ‬وأذهلني‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬مثل‭ ‬أسبانيا‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬قبل‭ ‬شهرين‭ ‬رقم‭ ‬الوفيات‭ ‬قد‭ ‬فاق‭ ‬800‭ ‬وفاة‭ ‬باليوم،‭ ‬أصبح‭ ‬الرقم‭ ‬الآن‭ ‬0‭ ‬والسبب‭ ‬الإغلاق‭ ‬التام‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬الدولة‭ ‬لفترة‭ ‬محدودة‭ ‬وأثبت‭ ‬جدواه،‭ ‬مثل‭ ‬الدواء‭ ‬المر‭ ‬الذي‭ ‬لابد‭ ‬منه‭ ‬لتقصير‭ ‬فترة‭ ‬المرض‭.‬

لنواجه‭ ‬الحقيقة‭ ‬ونتحدث‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭ ‬ونعترف‭ ‬بأن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬العام‭ ‬خيب‭ ‬ظننا،‭ ‬وتكفي‭ ‬نظرة‭ ‬يومية‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬والمجمعات‭ ‬ومحلات‭ ‬الخياطة‭ ‬النسائية‭ ‬والرجالية،‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬مفتوح‭ ‬أصبح‭ ‬وجود‭ ‬الناس‭ ‬فيه‭ ‬ويا‭ ‬للغرابة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬وكأن‭ ‬هناك‭ ‬تحديا‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬الوباء،‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬ويقرأ‭ ‬ويسمع‭ ‬البعض‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عن‭ ‬الوعي‭ ‬ويدعو‭ ‬للالتزام‭ ‬بالإجراءات‭ ‬والإرشادات‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬كله‭ ‬مؤمن‭ ‬بهذا‭ ‬التوجيه،‭ ‬ثم‭ ‬يرى‭ ‬الشوارع‭ ‬والمجمعات‭ ‬والمتاجر‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مفتوحا‭ ‬قبل‭ ‬الوباء‭ ‬أصبح‭ ‬مكان‭ ‬ارتياد‭... ‬إذا‭ ‬أين‭ ‬المجتمع‭ ‬الواعي؟‭!‬

هل‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬نعلن‭ ‬خلالها‭ ‬انهيار‭ ‬نظامنا‭ ‬الصحي؟‭ ‬إذا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬الناس‭ ‬واتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬مؤلمة‭ ‬لفترة‭ ‬قصيرة‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لنا‭ ‬اليوم،‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬التفاؤل‭ ‬بهبوط‭ ‬الأرقام‭ ‬نرى‭ ‬العكس‭ ‬والسبب‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬ضعف‭ ‬النظام‭ ‬الصحي،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬الوعي‭ ‬والفتح‭ ‬السريع‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يفهم‭ ‬الناس‭ ‬للأسف‭ ‬القصد‭ ‬منه،‭ ‬فاستخدموه‭ ‬عكس‭ ‬المقصود‭ ‬وتوجهوا‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬الوباء‭ ‬إلى‭ ‬التعايش‭ ‬معه‭ ‬وهذا‭ ‬خطأ‭ ‬فادح‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬من‭ ‬بدأ‭ ‬فيه‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬والبرهان‭ ‬أن‭ ‬دولا‭ ‬مثل‭ ‬أسبانيا‭ ‬والأردن‭ ‬تخلصت‭ ‬بسرعة‭ ‬من‭ ‬الأرقام‭ ‬المهولة‭ ‬بسبب‭ ‬سياسة‭ ‬مؤلمة‭ ‬ولكنها‭ ‬سرعت‭ ‬النتيجة‭ ‬وأدى‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬إلى‭ ‬الفتح‭ ‬التدريجي‭ ‬في‭ ‬أسبانيا‭ ‬بعد‭ ‬تحقق‭ ‬نتائج‭ ‬ذات‭ ‬جدوى؟

علينا‭ ‬أن‭ ‬نواجه‭ ‬أنفسنا‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬وصراحة،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬خريطة‭ ‬مواجهة‭ ‬الوباء‭ ‬بسرعة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬نظامنا‭ ‬الصحي‭ ‬للانهيار،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬مكاشفة‭ ‬ومواجهة‭ ‬واعترافا‭ ‬ثم‭ ‬إجراء‭ ‬حاسما‭ ‬ولو‭ ‬لمدة‭ ‬قصيرة،‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬استنزاف‭ ‬مواردنا‭ ‬بالصورة‭ ‬الحالية،‭ ‬لن‭ ‬أدخل‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬الإجراء‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُتخذ‭ ‬بسرعة،‭ ‬هذا‭ ‬منوط‭ ‬بالحكومة‭ ‬ولكن‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬للاعتراف‭ ‬بضرورة‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬أيا‭ ‬يكن‭.‬

 

تنويرة‭:

‬الصمت‭ ‬وقت‭ ‬الضوضاء‭ ‬أقوى‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭!‬