المشهد الذي هز العالم

| رضي السماك

مجازاً‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬الصحافة‭ ‬الحرة‭ ‬“السلطة‭ ‬الرابعة”‭ ‬لما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬رقابي‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الأهمية‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة؛‭ ‬وما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬منفعة‭ ‬لكليهما‭.‬

تاريخياً،‭ ‬النموذج‭ ‬الأبرز‭ ‬لقوة‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬إطاحة‭ ‬صحيفة‭ ‬“واشنطن‭ ‬بوست”‭ ‬بالرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬نيكسون‭ ‬فيما‭ ‬عُرف‭ ‬بفضيحة‭ ‬“ووتر‭ ‬جيت”‭ ‬1974‭. ‬وفي‭ ‬عصر‭ ‬“الموبايل”‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬حامليه‭ ‬من‭ ‬مليارات‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬بمثابة‭ ‬مراسلين‭ ‬صحافيين‭ ‬غير‭ ‬ممتهنين‭ ‬المهنة،‭ ‬متواجدين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬الدنيا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة؛‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬بالضبط‭ ‬عابرو‭ ‬السبيل‭ ‬في‭ ‬واقعة‭ ‬مقتل‭ ‬جورج‭ ‬فلويد‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬أفريقي‭ ‬المخزية،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬ضبط‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬المشين‭ ‬لوحشيته؛‭ ‬وتم‭ ‬توثيقه‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الفيديوهات،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬ليست‭ ‬بالضرورة‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬ترامب‭.‬

صحيفة‭ ‬“نيويورك‭ ‬تايمز”‭ ‬وفي‭ ‬عمل‭ ‬احترافي‭ ‬فني‭ ‬قامت‭ ‬بحياكة‭ ‬كل‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬وكاميرات‭ ‬المراقبة‭ ‬في‭ ‬قطعة‭ ‬نسيج‭ ‬واحدة،‭ ‬المدهش‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬ظهور‭ ‬ضابط‭ ‬وهو‭ ‬يأمر‭ ‬سيدة‭ ‬بيضاء‭ ‬بالابتعاد‭ ‬كانت‭ ‬تصور‭ ‬مشهد‭ ‬جثوم‭ ‬زميلهم‭ ‬بركبته‭ ‬على‭ ‬رقبة‭ ‬الضحية‭ ‬دون‭ ‬مصادرة‭ ‬موبايلها،‭ ‬وكأنهم‭ ‬بذلك‭ ‬يؤدون‭ ‬واجباً‭ ‬اعتيادياً‭ ‬دون‭ ‬وجل‭!‬

هنا‭ ‬تثار‭ ‬تساؤلات‭ ‬محيرة‭: ‬ألا‭ ‬يفترض‭ ‬في‭ ‬الملتحقين‭ ‬بشرطة‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬أنهم‭ ‬تلقوا‭ ‬دورات‭ ‬دراسية‭ ‬في‭ ‬مبادئ‭ ‬دستور‭ ‬الدولة‭ ‬وقوانين‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وعقوبة‭ ‬مخالفتها؟‭ ‬كيف‭ ‬نفهم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬سرية‭ ‬ضبط‭ ‬الجنحة‭ ‬من‭ ‬البيض؟‭ ‬ألا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬مبادئ‭ ‬المساواة‭ ‬والحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬تشريعات‭ ‬الدولة‭ ‬مازالت‭ ‬حبراً‭ ‬على‭ ‬ورق؟‭ ‬أليس‭ ‬من‭ ‬المعيب‭ ‬أن‭ ‬تنشر‭ ‬دولة‭ ‬عظمى‭ ‬ديمقراطية‭ ‬تقريراً‭ ‬سنوياً‭ ‬عن‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬منتهكيها‭ ‬داخلياً‭ ‬وخارجياً؟‭.‬