العُنف والديمقراطية الأميركية

| عبدعلي الغسرة

تعيش‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬بين‭ ‬ظاهرتين‭ ‬متناقضتين،‭ ‬العُنف‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬تهاجم‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬وغير‭ ‬العربية‭ ‬بتقاريرها‭ ‬بحجة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬الشعوب‭ ‬ومبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وتظهر‭ ‬حزنًا‭ ‬وألمًا‭ ‬إعلاميًا‭ ‬لهذه‭ ‬الشعوب،‭ ‬وتطلب‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬تطبيق‭ ‬ديمقراطيتها‭ ‬ومبادئها‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تمارس‭ ‬الإرهاب‭ ‬والعُنف‭ ‬والقتل‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬رِكابها،‭ ‬وما‭ ‬تمارسه‭ ‬اليوم‭ ‬القيادة‭ ‬الأميركية‭ ‬تجاه‭ ‬المواطنين‭ ‬الأميركيين‭ ‬ذوي‭ ‬البشرة‭ ‬السوداء‭ ‬يؤكد‭ ‬الوجه‭ ‬الأميركي‭ ‬الحقيقي‭.‬

ومازالت‭ ‬أميركا‭ ‬وبعد‭ (‬244‭) ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬الاستقلال‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬منجزات‭ ‬متنوعة‭ ‬وكثيرة‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬من‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعِرقية‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬الأميركي،‭ ‬ما‭ ‬رفع‭ ‬من‭ ‬مؤشر‭ ‬تنامي‭ ‬مشاعر‭ ‬العنصرية‭ ‬والكراهية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬البيض‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬تشهد‭ ‬الولايات‭ (‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬المحلية‭) ‬احتجاجات‭ ‬قوية‭ ‬ضد‭ ‬ممارسات‭ ‬الشرطة‭ ‬الأميركية‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ (‬جورج‭ ‬فلويد‭) ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشرطة‭ ‬الأميركية‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬يؤكد‭ ‬غياب‭ ‬المساواة‭ ‬والحقوق،‭ ‬وقد‭ ‬لقي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬مصرعهم‭ ‬بسبب‭ ‬لون‭ ‬بشرتهم‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬محاسبة‭ ‬الفاعلين،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬عودة‭ ‬للسلوكيات‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬في‭ ‬الستينات،‭ ‬وما‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬قيام‭ (‬الولايات‭ ‬الجنوبية‭ ‬في‭ ‬السنتين‭ ‬الأخيرتين‭ ‬بتعديلات‭ ‬تشريعية‭ ‬قانونية‭ ‬للانتخابات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استشارة‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬حرمان‭ ‬أغلبية‭ ‬الناخبين‭ ‬غير‭ ‬البيض‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬الانتخابي‭ ‬لأسباب‭ ‬عنصرية،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬أعداد‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الولايات‭ ‬وتراجع‭ ‬أعداد‭ ‬البيض‭.‬

ومع‭ ‬اقتراب‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأميركية‭ ‬يسعى‭ ‬كل‭ ‬مرشح‭ ‬لأن‭ ‬يستغل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬برفع‭ ‬شعارات‭ (‬العدالة‭ ‬للجميع‭ ‬والمساواة‭ ‬والحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والديمقراطية‭) ‬واستثمارها‭ ‬للوصول‭ ‬لسدة‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬المُقبل‭ ‬دون‭ ‬التنديد‭ ‬بممارسات‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬تطرفًا،‭ ‬وهي‭ ‬ممارسات‭ ‬لا‭ ‬إنسانية‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬تدعي‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ورعاية‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهذه‭ ‬الممارسات‭ ‬تعتبر‭ ‬صورة‭ ‬مُصغرة‭ ‬للإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬أميركا‭ ‬تجاه‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬ودولها‭.‬