الخوف من المجهول

| د. ندى أحمد الحساوي

أصبح‭ ‬البشر‭ ‬يعيشون‭ ‬مشاعر‭ ‬وانفعالات‭ ‬بديهية‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬التساؤل‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬بالاستنكار،‭ ‬وكأنما‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر‭ ‬المتطرفة‭ ‬سواء‭ ‬بخوف‭ ‬أو‭ ‬حزن‭ ‬أو‭ ‬فرح‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬طبيعتهم‭ ‬الفطرية‭! ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر‭ ‬فأصبحوا‭ ‬يعيشونها‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر‭ ‬مفعّلة‭ ‬بمسارات‭ ‬عصبية‭ ‬دماغية‭ ‬ضمن‭ ‬برمجة‭ ‬عقلية،‭ ‬كأن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬فكرة‭ ‬مختزنة‭ ‬تثير‭ ‬مشاعر‭ ‬مختزنة،‭ ‬نقول‭ ‬مختزنة،‭ ‬أي‭ ‬خبرة‭ ‬سابقة‭ ‬مبرمجة‭ ‬سابقا‭ ‬من‭ ‬المحيط،‭ ‬أو‭ ‬بفعل‭ ‬الإنسان‭ ‬ذاته‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬تجاربه‭ ‬وإسقاطاته‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التجارب‭. ‬تكون‭ ‬برمجة‭ ‬العقل‭ ‬بشكل‭ ‬أوّلي‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬التكوّن‭ ‬الجنيني‭ ‬حيث‭ ‬يختزن‭ ‬الجنين‭ ‬المشاعر‭ ‬التي‭ ‬تصله‭ ‬من‭ ‬الأم‭ ‬التي‭ ‬بدورها‭ ‬تستجيب‭ ‬لأفكارها‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬بتلك‭ ‬المشاعر،‭ ‬وبعد‭ ‬ولادة‭ ‬ذلك‭ ‬الجنين،‭ ‬يتابع‭ ‬المحيط‭ ‬برمجته‭ ‬التي‭ ‬تنطبع‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬وأساسي‭ ‬في‭ ‬السنين‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬لتستمر‭ ‬لسنين‭ ‬ممتدّة‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬والثقافة‭ ‬والمجتمع‭. ‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬العصر‭ ‬المقبل‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬ذلك‭ ‬المستوى‭ ‬اللاواعي‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬البرمجة‭ ‬المحبطة‭ ‬المسلّم‭ ‬بها،‭ ‬لأن‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬البرمجة‭ ‬هو‭ ‬سجن‭ ‬للعقل‭ ‬وهو‭ ‬مرض‭ ‬وعجز‭ ‬يدمر‭ ‬الإنسان‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وكذلك‭ ‬فإنّ‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المستوى‭ ‬يكون‭ ‬مشتّتا‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬ومسؤوليته‭ ‬المترتبة‭ ‬في‭ ‬تطوّر‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وكذلك‭ ‬مدمّرا‭ ‬لنفسه‭ ‬وجسده‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإفراز‭ ‬المزمن‭ ‬لهرمون‭ ‬التوتّر‭ ‬“إبينفرين”‭ ‬المنشئ‭ ‬للمرض‭. ‬نحن‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الكورونا‭ ‬عاكفون‭ ‬في‭ ‬الحجر‭ ‬المنزلي،‭ ‬الكثير‭ ‬منّا‭ ‬يرى‭ ‬أنها‭ ‬مسألة‭ ‬وقت‭ ‬حيث‭ ‬يبدأ‭ ‬بعدها‭ ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬للمرح‭ ‬والتجوّل‭ ‬والسفر‭! ‬وكذلك‭ ‬فإنّ‭ ‬الكثير‭ ‬منا‭ ‬عنده‭ ‬الخوف‭ ‬والقلق‭ ‬بما‭ ‬سيحدث‭ ‬له‭ ‬ولأسرته‭ ‬وللعالم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الحجر‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬بكيفيته‭ ‬وحيثياته‭.‬

وللخروج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المعضلة،‭ ‬يحتاج‭ ‬الإنسان‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬فكره‭ ‬متيقّظا،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حكيما‭ ‬مفعلا‭ ‬لعبقريته،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬واعيا،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إنسانا‭ ‬مكرما‭ ‬كما‭ ‬أوجده‭ ‬الله‭ ‬جلّ‭ ‬وعلا،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فرحا‭ ‬مرحا،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خائفا‭ ‬متوجسا‭ ‬من‭ ‬المستقبل،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬لحظة‭ ‬آنية‭ ‬عليه‭ ‬اغتنامها‭ ‬وصناعة‭ ‬الفرق‭ ‬الآن‭ ‬بالقيمة‭ ‬العليا‭ ‬الذاتية،‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬الذات‭.‬