زبدة القول

“لا أستطيع التنفس”

| د. بثينة خليفة قاسم

فجأة‭ ‬ترددت‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬والحديثة‭ ‬ومعها‭ ‬اسم‭ ‬جورج‭ ‬فلويد‭ ‬الأميركي‭ ‬الأسود‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صرعه‭ ‬أحد‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬مينا‭ ‬بولس‭ ‬بولاية‭ ‬مينيسوتا‭ ‬الأميركية‭ ‬ووضع‭ ‬ركبته‭ ‬فوق‭ ‬رقبته‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬موته‭.‬

أكثر‭ ‬من‭ ‬‮٩٠‬‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬صحف‭ ‬أوروبا‭ ‬وأميركا‭ ‬وضعت‭ ‬على‭ ‬صفحاتها‭ ‬الأولى‭ ‬صورة‭ ‬جورج‭ ‬فلويد‭ ‬أو‭ ‬صور‭ ‬التظاهرات‭ ‬والاحتجاجات‭ ‬الغاضبة‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬تحمل‭ ‬لافتات‭ ‬تقول‭ ‬“حياة‭ ‬السود‭ ‬مهمة”،‭ ‬صورة‭ ‬واحدة‭ ‬هزت‭ ‬الصورة‭ ‬الأميركية‭ ‬المرسومة‭ ‬في‭ ‬مخيلة‭ ‬الشعوب‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين،‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬نادرة‭ ‬الحدوث‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬هناك‭ ‬ضحايا‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬وهناك‭ ‬مظلومون‭ ‬بطول‭ ‬الأرض‭ ‬وعرضها،‭ ‬لكن‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬الدروس‭ ‬للجميع‭ ‬وتقيم‭ ‬الدنيا‭ ‬وتقعدها‭ ‬إذا‭ ‬تعرض‭ ‬أحد‭ ‬المثليين‭ ‬للتنمر‭ ‬أو‭ ‬المضايقة‭ ‬في‭ ‬بلده‭.‬

صورة‭ ‬واحدة‭ ‬جعلت‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمي‭ ‬يغير‭ ‬رأيه‭ ‬ويعطي‭ ‬مساحة‭ ‬لخبر‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬احتل‭ ‬الشاشات‭ ‬وعناوين‭ ‬الصحف‭ ‬منذ‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر‭.‬

لقد‭ ‬ضربت‭ ‬الدعاية‭ ‬الأميركية‭ ‬وشعارات‭ ‬الأمم‭ ‬المتمدينة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬لأن‭ ‬الدولة‭ ‬صاحبة‭ ‬براءة‭ ‬الاختراع‭ ‬لهذه‭ ‬الشعارات‭ ‬قتلت‭ ‬مواطنا‭ ‬من‭ ‬مواطنيها‭ ‬بسبب‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬مئة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬والشعارات‭ ‬في‭ ‬نزعه‭ ‬من‭ ‬قلوب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البيض‭. ‬

 

أميركا‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ستمر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬لأنها‭ ‬دولة‭ ‬مؤسسات‭ ‬ويمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬أية‭ ‬اضطرابات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬الصدام‭ ‬ليس‭ ‬بين‭ ‬السود‭ ‬والبيض،‭ ‬بل‭ ‬صدام‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬والقوانين‭ ‬والتجاهل‭ ‬الحكومي‭ ‬لحقوق‭ ‬البيض،‭ ‬لكن‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬ستتغير‭ ‬أميركا؟‭ ‬بمعنى‭: ‬هل‭ ‬ستنتهي‭ ‬العنصرية‭ ‬في‭ ‬أميركا؟‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬سيحدث‭.‬