لمحات

تقبل النقد

| د.علي الصايغ

يقول‭ ‬الفيلسوف‭ ‬اليوناني‭ ‬أفلاطون‭ ‬إن‭ ‬“هناك‭ ‬طريقة‭ ‬واحدة‭ ‬لتفادي‭ ‬الانتقاد‭: ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬شيئاً،‭ ‬ولا‭ ‬تكن‭ ‬شيئاً،‭ ‬ولا‭ ‬تفعل‭ ‬شيئاً”،‭ ‬وهي‭ ‬دلالة‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يوجه‭ ‬إليهم‭ ‬الانتقاد‭ ‬هم‭ ‬العاملون،‭ ‬أو‭ ‬الناجحون،‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬المنتجين،‭ ‬ممن‭ ‬تمر‭ ‬الأيام‭ ‬والأعوام‭ ‬عليهم،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يبرحوا‭ ‬مكانهم،‭ ‬وفي‭ ‬نظرة‭ ‬متأملة‭ ‬للطبيعة‭ ‬البشرية،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬النقد‭ ‬سمة‭ ‬عليا،‭ ‬تسمو‭ ‬بها‭ ‬النفس،‭ ‬وأنها‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬ترويض‭ ‬الفرد‭ ‬لنفسه،‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬والتعاطي‭ ‬مع‭ ‬الانتقادات‭ ‬بشتى‭ ‬أنواعها‭ ‬السلبية‭ ‬منها‭ ‬والإيجابية‭.‬

وعند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الانتقاد‭ ‬البناء،‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬أسلوبه‭ ‬يفرض‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬المتقبلة،‭ ‬لما‭ ‬يتسم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬هدوء‭ ‬في‭ ‬الطرح،‭ ‬واستهلالات‭ ‬لطيفة،‭ ‬بذكر‭ ‬الإيجابيات‭ ‬أولا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬سرد‭ ‬الانتقادات‭ ‬بغرض‭ ‬إفادة‭ ‬الآخر،‭ ‬لا‭ ‬كشف‭ ‬السلبيات‭ ‬والانتقاد‭ ‬الهدام‭ ‬الذي‭ ‬يخفي‭ ‬من‭ ‬ورائه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والذي‭ ‬يتطلب‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬مغايرة‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬الصبر،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬الرد‭ ‬بإفحام‭ ‬الخصم،‭ ‬وهنا‭ ‬نستذكر‭ ‬موقف‭ ‬“برنارد‭ ‬شو”‭ ‬عند‭ ‬رده‭ ‬على‭ ‬“تشرشل”‭ ‬الذي‭ ‬اتسم‭ ‬بالبدانة،‭ ‬وكان‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬للمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬بعد‭ ‬قول‭ ‬الأخير‭ ‬“إن‭ ‬من‭ ‬يراك‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬إنجلترا‭ ‬مجاعة”،‭ ‬فرد‭ (‬شو‭) ‬النحيل‭ ‬جسماً‭ ‬“ومن‭ ‬يراك‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬سبب‭ ‬هذه‭ ‬المجاعة”،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬العلاقة‭ ‬والصداقة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تربطهما،‭ ‬والغرض‭ ‬الفعلي‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬بينهما،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تبيان‭ ‬لطريقة‭ ‬ذكية‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬السخرية‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬الانتقاص،‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬كالتجاهل‭ ‬وغيره،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستحقه‭ ‬متبنو‭ ‬النقد‭ ‬الهدام‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مواقع‭ ‬الحياة‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬كثرة‭ ‬الانتقاد‭ ‬الهدام،‭ ‬قد‭ ‬تعطي‭ ‬دلالات‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسهم‭ ‬الفرد‭ ‬المنتقد‭ ‬وتميزه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعترض‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشاهير،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬منتقًّد‭ ‬ناجح،‭ ‬فلربما‭ ‬قد‭ ‬غلا‭ ‬في‭ ‬الخطأ‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنه‭ ‬أفقد‭ ‬الناس‭ ‬صوابهم،‭ ‬ومهما‭ ‬كانت‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬سلبية‭ ‬تجاه‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬أو‭ ‬قول‭ ‬أو‭ ‬فعل،‭ ‬فالخطأ‭ ‬لا‭ ‬يعالج‭ ‬حكمة‭ ‬بخطأ‭ ‬آخر،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يستوجب‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬نتبين‭ ‬أولاً‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬الانتقاد،‭ ‬حتى‭ ‬نحدد‭ ‬ماهية‭ ‬الرد‭.‬