وَخْـزَةُ حُب

ظننّا أنّا مُحصّنون!

| د. زهرة حرم

لا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬يستشعر‭ ‬الواحد‭ ‬منا،‭ ‬وهو‭ ‬يشاهد‭ ‬كوارث‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وأخبار‭ ‬الحروب،‭ ‬والهروب،‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الطمأنينة؛‭ ‬فما‭ ‬يجري،‭ ‬وبشكل‭ ‬متكرر،‭ ‬بعيدٌ‭ ‬عنه‭ ‬مكانيًا‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬–‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُرسِّخ‭ ‬لديه‭ ‬الإحساس‭ ‬بالأمن‭ ‬من‭ ‬الخطر،‭ ‬وإنْ‭ ‬توجس‭ ‬من‭ ‬وصول‭ ‬بعض‭ ‬الشرارات‭ ‬إليه،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬اعتاد‭ ‬اليقين‭ ‬بأنه‭ ‬مُحصّن،‭ ‬وأنه‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر؛‭ ‬فهو‭ ‬المتفرج،‭ ‬أو‭ ‬المُشاهد،‭ ‬وواحدٌ‭ ‬من‭ ‬الجمهور،‭ ‬أما‭ ‬الآخرون‭ ‬البعيدون؛‭ ‬فهم‭ ‬الطرف‭ ‬المقابل‭: ‬الضحايا،‭ ‬والمنكوبون‭. ‬

هذه‭ ‬نعمة‭ ‬ولا‭ ‬شك،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬حوّلتنا‭ ‬إلى‭ ‬واثقين‭ ‬بالحاضر‭ ‬المَعِيش؛‭ ‬مُسَلِّمين‭ ‬به؛‭ ‬فأغمضنا‭ ‬أعيننا،‭ ‬في‭ ‬سكينة‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬تُحيق‭ ‬به‭ ‬الحوادث،‭ ‬وقلَّ‭ ‬حذرُنا،‭ ‬وكأن‭ ‬كل‭ ‬فردٍ‭ ‬منا‭ ‬هو‭ ‬الناجي‭ ‬الوحيد،‭ ‬وآخر‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬الكوكب؛‭ ‬قد‭ ‬يُصيبه‭ ‬مرض،‭ ‬أو‭ ‬موت،‭ ‬أو‭ ‬حاجة‭! ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬عجب‭ ‬إن‭ ‬وَجَدتَ‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬العقليات‭ ‬بيننا؛‭ ‬لا‭ ‬تستجيب‭ ‬إلى‭ ‬نداءات‭ ‬التحذير،‭ ‬أو‭ ‬تساهلت‭ ‬معها؛‭ ‬فهناك‭ ‬في‭ ‬بقعة‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬الدماغ‭ ‬تجلس‭ ‬أميرة‭ ‬الراحة‭ ‬والسكينة،‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬بخير،‭ ‬وبمعزل‭ ‬عن‭ ‬شرور‭ ‬العالم،‭ ‬فلطالما‭ ‬كان‭ ‬المتفرجَ،‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الطرف‭ ‬النقيض‭!‬

ألمْ‭ ‬يراقب‭ ‬هذا‭ ‬الكورونا‭ ‬ينتشر‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬البعيدة‭! ‬هذه‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬استقرت‭ ‬في‭ ‬المخيلة‭ ‬العربية‭ ‬–‭ ‬بالذات‭ ‬–‭ ‬بوصفها‭ ‬أبعد‭ ‬نقطة‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إليها‭ ‬عربيّ‭ ‬أو‭ ‬مسلم،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬توطّد‭ ‬لديه‭ ‬الشعور‭ ‬بأن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يعنيه‭!‬؟‭ ‬فلمّا‭ ‬نزل‭ ‬الكورونا‭ ‬في‭ ‬أحيائنا،‭ ‬وأصاب‭ ‬منا‭ ‬مَنْ‭ ‬أصاب،‭ ‬لم‭ ‬يزل‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬منأى،‭ ‬وحصن‭ ‬حصين،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬انتشار‭ ‬حالات‭ ‬الإصابة؛‭ ‬فإننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬خلخلة‭ ‬هذه‭ ‬العقلية‭ ‬الآمنة‭ ‬القريرة،‭ ‬لا‭ ‬لإثارة‭ ‬الرعب‭ ‬أو‭ ‬الفزع،‭ ‬ولكن‭ ‬لتحريك‭ ‬الجمود،‭ ‬وحلحلة‭ ‬الملفات‭ ‬المرتاحة‭ ‬في‭ ‬الأدراج،‭ ‬وتنبيه‭ ‬الأذهان‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬استثارة‭ ‬الشكوك،‭ ‬وزعزعة‭ ‬بعض‭ ‬الأفكار‭ ‬اليابسة؛‭ ‬فالقناعات‭ ‬الثابتة‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يستجد‭ ‬أو‭ ‬يطرأ‭.‬

نعم،‭ ‬لسنا‭ ‬بأمان‭ ‬إنْ‭ ‬أيقنّا‭ ‬أننا‭ ‬آمنون‭ ‬أبدًا،‭ ‬لسنا‭ ‬بأمان‭ ‬إنْ‭ ‬لم‭ ‬نعمل‭ ‬يوميًا‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬أماننا‭ ‬نفسه‭: ‬صحتنا،‭ ‬عملنا،‭ ‬علاقاتنا‭... ‬لسناَ‭ ‬بأمان‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نمد‭ ‬بصرنا‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬–‭ ‬بوصفنا‭ ‬جمهورا‭ ‬مدركًا،‭ ‬مُستفيدا‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬وأحداث‭ ‬وعِبَر‭ ‬هؤلاء،‭ ‬وأنها‭ ‬حين‭ ‬تصل‭ ‬إلينا‭: ‬سنحسن‭ ‬التصرف،‭ ‬ونتعامل‭ ‬بوعي‭ ‬ومسؤولية‭.‬