وماذا عن نظام “الفيزا المرنة”؟

| عبدالنبي الشعلة

ضمن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخطط‭ ‬والمبادرات‭ ‬والبرامج‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬وتطوير‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬استحدثت‭ ‬“هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل”‭ ‬بمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬نظامًا‭ ‬جديدًا‭ ‬سمي‭ ‬بـنظام‭ ‬“التصريح‭ ‬المرن”‭ ‬أو‭ ‬نظام‭ ‬“الفيزا‭ ‬المرنة”‭ ‬الذي‭ ‬يرمي‭ ‬إلى‭ ‬رصد‭ ‬وحصر‭ ‬وتصحيح‭ ‬أوضاع‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬السائبة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬فقط‭ ‬بـ‭ ‬“فري‭ ‬فيزا”‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬ترجمتها‭ ‬إلى‭ ‬“رخصة‭ ‬الإقامة‭ ‬الحرة”‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬الانعتاق‭ ‬والإفلات‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬والقوانين‭ ‬ومخالفتها‭.‬

إن‭ ‬ظاهرة‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬طارئة،‭ ‬لكنها‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬تشكل‭ ‬تحديًا‭ ‬أشد‭ ‬صعوبة‭ ‬وخطورة‭ ‬وتعقيدًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمسؤولين‭ ‬عن‭ ‬أسواق‭ ‬العمل‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬ومناطق‭ ‬العالم،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬تداعيات‭ ‬وإرهاصات‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬بشاعة‭ ‬وقسوة‭ ‬وخطورة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭.‬

في‭ ‬البحرين‭ ‬وباقي‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬المسؤولين‭ ‬المعنيين‭ ‬حاولوا‭ ‬وسعوا‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬مختلفة‭ ‬وبوسائل‭ ‬متعددة‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬أو‭ ‬حلحلة‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬والتصدي‭ ‬لها،‭ ‬فوجدوا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬محاولاتهم‭ ‬صارت‭ ‬تشبه‭ ‬محاولات‭ ‬الغرف‭ ‬لتجفيف‭ ‬بئر‭ ‬ارتوازية‭ ‬يتفجر‭ ‬منها‭ ‬الماء‭ ‬تلقائيا‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسرب‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ ‬إلى‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬عبر‭ ‬الفجوات‭ ‬الأرضية،‭ ‬فيصبح‭ ‬تجفيف‭ ‬تلك‭ ‬البئر‭ ‬أمرًا‭ ‬صعبًا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستحيلًا‭.‬

وحتى‭ ‬محاولات‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬الأرقام‭ ‬الصحيحة‭ ‬والدقيقة‭ ‬لحجم‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬كانت‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬غير‭ ‬ممكنة،‭ ‬وظلت‭ ‬الإحصاءات‭ ‬تقديرية‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬صارت‭ ‬تتأرجح‭ ‬وتتحرك‭ ‬مثل‭ ‬حركة‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬و50‭ ‬ألفًا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬بنهاية‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وبلغت‭ ‬تقديرات‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬قبل‭ ‬تطبيق‭ ‬النظام‭ ‬100‭ ‬ألف،‭ ‬ويقدر‭ ‬عددهم‭ ‬اليوم‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ألفًا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬تعديل‭ ‬أوضاع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬27‭ ‬ألفًا‭ ‬منهم‭.‬

وأمام‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة،‭ ‬وبسبب‭ ‬تذمرهم‭ ‬واستيائهم‭ ‬منها،‭ ‬فقد‭ ‬ظن‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬النوايا‭ ‬الحسنة‭ ‬وقالوا‭ ‬إن‭ ‬وراء‭ ‬تفاقم‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬أناسا‭ ‬“متنفذين”،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاستنتاج‭ ‬موفقًا‭ ‬أو‭ ‬صحيحا‭ ‬أو‭ ‬دقيقا؛‭ ‬فعملية‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬والتكسب‭ ‬من‭ ‬عرق‭ ‬وجهد‭ ‬العمال‭ ‬البائسين‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وجاهة‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬أصحاب‭ ‬نفوذ؛‭ ‬ولكنها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نصابين‭ ‬ومحتالين‭ ‬وعديمي‭ ‬الضمائر‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لارتكاب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬ومخالفة‭ ‬القانون‭ ‬والالتفاف‭ ‬عليه‭ ‬والتسلل‭ ‬أو‭ ‬النفاذ‭ ‬عبر‭ ‬ثغراته‭ ‬وإساءة‭ ‬استخدام‭ ‬أدواته‭.‬

فالبئر‭ ‬الارتوازية‭ ‬للعمالة‭ ‬السائبة‭ ‬كانت‭ ‬تمتلئ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬سماسرة‭ ‬وتجار‭ ‬الإقامات‭ ‬أو‭ ‬تجار‭ ‬الرقيق‭ ‬الذين،‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬“نظام‭ ‬الكفالة”،‭ ‬يقومون‭ ‬بإساءة‭ ‬استغلال‭ ‬القنوات‭ ‬القانونية‭ ‬باستصدار‭ ‬سجلات‭ ‬تجارية‭ ‬وهمية‭ ‬بأسمائهم‭ ‬أو‭ ‬بأسماء‭ ‬غيرهم،‭ ‬ثم‭ ‬يؤسسون‭ ‬فروعًا‭ ‬لكل‭ ‬سجل‭ ‬منها،‭ ‬وكل‭ ‬سجل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬السجلات‭ ‬وفروعها‭ ‬يؤهلهم‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬تصاريح‭ ‬لاستقدام‭ ‬عمالة‭ ‬أجنبية‭ ‬يُحدِد‭ ‬عددها‭ ‬نوع‭ ‬النشاط‭ ‬الذي‭ ‬يدعون‭ ‬أنهم‭ ‬سيزاولونه،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يبدأ‭ ‬سلم‭ ‬التضليل‭ ‬والالتفاف‭ ‬والتحايل‭ ‬على‭ ‬القانون،‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬أولًا‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬التجارة،‭ ‬ثم‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬لطلب‭ ‬الحد‭ ‬الأقصى‭ ‬المسموح‭ ‬به‭ ‬لكل‭ ‬سجل‭ ‬ولكل‭ ‬فرع،‭ ‬ثم‭ ‬بعدها‭ ‬يأتي‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الهجرة‭ ‬والجوازات‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬تصاريح‭ ‬القدوم‭ ‬والإقامة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تكتمل‭ ‬الحلقة‭ ‬تصل‭ ‬الضحية‭ ‬للبلاد‭ ‬محملة‭ ‬بالآمال‭ ‬والأحلام‭ ‬ومثقلة‭ ‬بالديون‭ ‬والمبالغ‭ ‬التي‭ ‬دفعتها‭ ‬مقدمًا‭ ‬لكفيلها‭ ‬وسماسرته‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الرخص،‭ ‬فيقوم‭ ‬الكفيل‭ ‬بإطلاقها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬فور‭ ‬وصولها،‭ ‬ويظل‭ ‬يستلم‭ ‬منها‭ ‬إتاوات‭ ‬ورسومًا‭ ‬شهرية‭ ‬منهكة،‭ ‬وهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬هو‭ ‬الأسلوب‭ ‬ذاته‭ ‬المتبع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭. ‬وفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تتحلل‭ ‬هذه‭ ‬الضحية‭ ‬تدريجيًا‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬كفيلها‭ ‬تاجر‭ ‬العرق،‭ ‬وتذوب‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬العمالة‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬صلاحيات‭ ‬رخص‭ ‬عملها‭ ‬وإقامتها،‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ ‬أصبحت‭ ‬تشكل‭ ‬15‭ % ‬فقط‭ ‬من‭ ‬عددها‭ ‬الكلي،‭ ‬أما‭ ‬نسبة‭ ‬الـ‭ ‬85‭ % ‬الباقية‭ ‬منها‭ ‬فإنها‭ ‬تتراكم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قنوات‭ ‬أو‭ ‬مصادر‭ ‬أخرى‭ ‬أهمها‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬أو‭ ‬مشروعات‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جلب‭ ‬عمالة‭ ‬أجنبية‭ ‬لتنفيذها،‭ ‬وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬يدها،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬آخر‭ ‬فإنها‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬تقوم‭ ‬بالتخلص‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬بإطلاقها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬إما‭ ‬لعجزها‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬تكاليف‭ ‬إعادتها‭ ‬إلى‭ ‬أوطانها،‭ ‬أو‭ ‬للتهرب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬تجديد‭ ‬تصاريح‭ ‬عملها‭ ‬وإقامتها،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬حالات‭ ‬إغلاق‭ ‬أو‭ ‬إفلاس‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬توقف‭ ‬نشاطها‭ ‬وتقذف‭ ‬بعمالها‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬هروب‭ ‬بعض‭ ‬العمال‭ ‬من‭ ‬أعمالهم‭ ‬أو‭ ‬مواقعهم‭ ‬القانونية‭ ‬لأي‭ ‬سبب‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬والانضمام‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬دون‭ ‬موافقة‭ ‬أو‭ ‬ضلوع‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭ ‬الكفيل‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭. ‬

يحدث‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬وصغر‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقابية‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جهة‭ ‬وانعدام‭ ‬التنسيق‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬العامل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬هو‭ ‬الضحية‭ ‬وليس‭ ‬المجرم‭ ‬الحقيقي‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ضبطه‭ ‬يعتبر‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬مخالفا‭ ‬له،‭ ‬وتتم‭ ‬معاقبته‭ ‬وتسفيره،‭ ‬وتتم‭ ‬محاسبة‭ ‬الكفيل‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬باقيًا،‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬تحديده‭ ‬والعثور‭ ‬عليه‭.‬

ومع‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬والمحاولات‭ ‬فقد‭ ‬بقيت‭ ‬العجلة‭ ‬على‭ ‬دورانها،‭ ‬وظلت‭ ‬عملية‭ ‬تغذية‭ ‬البئر‭ ‬وغرف‭ ‬مياهها‭ ‬مستمرة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ ‬نمطًا‭ ‬وعنصرا‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الحركة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬واكتسبت‭ ‬صفة‭ ‬“العمالة‭ ‬الهامشية”،‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬ليست‭ ‬شاذة‭ ‬أو‭ ‬غريبة‭ ‬أو‭ ‬نادرة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬معروفة‭ ‬ومقبولة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬اقتصادات‭ ‬العالم‭ ‬بخصائص‭ ‬مختلفة،‭ ‬ففي‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬فإن‭ ‬العمالة‭ ‬الهامشية‭ ‬تنحصر‭ ‬وتتكون‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬تتضخم‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأربعة‭ ‬الماضية،‭ ‬ووجدت‭ ‬لها‭ ‬موطئ‭ ‬قدم،‭ ‬وطلبًا‭ ‬وقبولًا‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تلبي‭ ‬احتياجات‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصغيرة‭ ‬وصغار‭ ‬المقاولين‭ ‬وسد‭ ‬احتياجات‭ ‬قطاعات‭ ‬متفرقة‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬التصليح‭ ‬والصيانة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭.‬

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬نظام‭ ‬“الفيزا‭ ‬المرنة”‭ ‬منذ‭ ‬تدشينه‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬يتعرض‭ ‬إلى‭ ‬حَملة‭ ‬أو‭ ‬جُملة‭ ‬من‭ ‬الاعتراضات‭ ‬والانتقادات،‭ ‬وأصبح‭ ‬يشكل‭ ‬مصدر‭ ‬أرق‭ ‬وقلق‭ ‬للكثيرين‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬والمهتمين‭ ‬بسوق‭ ‬العمل،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬إغلاق‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬وحل‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬قائمة؛‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬رسخها‭ ‬وقننها‭ ‬وضاعف‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬تشبع‭ ‬السوق‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬والفائضة،‭ ‬ولم‭ ‬يتصد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬للمنتهكين‭ ‬للقانون،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬أقر‭ ‬وشرعن‭ ‬مخالفاتهم،‭ ‬وشجع‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬القانونية‭ ‬المنتظمة‭ ‬على‭ ‬الهروب‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة،‭ ‬وقوى‭ ‬شوكة‭ ‬منافستها‭ ‬للعمالة‭ ‬الوطنية،‭ ‬إذ‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬المنافسة‭ ‬مشروعة‭ ‬الآن‭. ‬ويضيف‭ ‬المنتقدون‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬خلل‭ ‬وعوار‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تطبيقه‭ ‬ظل‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬محصورا‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬ولم‭ ‬تحاول‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الأخرى‭ ‬الأخذ‭ ‬به‭ ‬وتبنيه‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬المؤيدين‭ ‬لهذا‭ ‬النظام‭ ‬والمدافعين‭ ‬عنه‭ ‬يعتبرونه‭ ‬من‭ ‬أنجح‭ ‬المحاولات‭ ‬وأشجعها‭ ‬للتصدي‭ ‬لهذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬ويجدون‭ ‬أنه‭ ‬ماض‭ ‬بتأن‭ ‬وثبات‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬إيجاد‭ ‬آلية‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬رصد‭ ‬ومراقبة‭ ‬ومتابعة‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ ‬وتصحيح‭ ‬أوضاعها،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬تسجيل‭ ‬وتصحيح‭ ‬أوضاع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربعها،‭ ‬وتحميلها‭ ‬أعباء‭ ‬مالية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتحملها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬ميزتها‭ ‬التنافسية‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬حرمان‭ ‬المتاجرين‭ ‬بالبشر‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬والأموال‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يجنونها،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬نشاطهم‭ ‬وسحب‭ ‬البساط‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬أقدامهم‭ ‬وتنظيف‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬جريمة‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النظام،‭ ‬قبل‭ ‬إقراره‭ ‬وتطبيقه‭ ‬بسنوات،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أخضع‭ ‬للدراسة‭ ‬والتمحيص‭ ‬ضمن‭ ‬معطيات‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬وقتها،‭ ‬وفي‭ ‬أوضاع‭ ‬وظروف‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مختلفة‭ ‬والتي‭ ‬تغيرت‭ ‬الآن،‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬مراجعته‭ ‬وتقييمه‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬وإنجازات،‭ ‬وإخفاقات‭ ‬إن‭ ‬وجدت،‭ ‬وحيال‭ ‬ما‭ ‬واجهه‭ ‬من‭ ‬نقد‭ ‬واعتراض‭ ‬ومن‭ ‬إشادة‭ ‬وثناء،‭ ‬فالأنظمة‭ ‬والقوانين‭ ‬ليست‭ ‬نصوصًا‭ ‬منزلة‭ ‬مقدسة،‭ ‬منزهة‭ ‬عن‭ ‬الخطأ‭ ‬والضلال،‭ ‬ولا‭ ‬تقبل‭ ‬التعديل‭ ‬والتطوير‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الإلغاء‭.‬