عمود أكاديمي

دروس الحالة الأمريكية

| د. باقر النجار

يجمع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الغربيين‭ ‬والأمريكيين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إن‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬حدث‭ ‬تاريخي‭ ‬لم‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬أمريكا‭ ‬منذ‭ ‬استقلالها‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬كما‭ ‬يجمع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكتاب‭ ‬أن‭ ‬مصاحبات‭ ‬الحدث‭ ‬ستكون‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬الأمريكي‭. ‬وهي‭ ‬مصاحبات‭ ‬لن‭ ‬تأتي‭ ‬غدا‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬غد‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ستشكل‭ ‬جزءا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬الحاضر‭ ‬القريب‭ ‬ومستقبل‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭...‬

‭ ‬بعض‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬والعالم‭ ‬الثالث،‭ ‬وبفعل‭ ‬نزعتها‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬إن‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬بداية‭ ‬النهاية‭ ‬للدولة‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وأن‭ ‬دورة‭ ‬الأفول‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬هي‭ ‬الآن‭ ‬دائرة‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬تنتشر‭ ‬وبكثرة‭ ‬في‭ ‬وسائط‭ ‬الاتصال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تعتقد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الحالي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬سيكون‭ ‬آخر‭ ‬رؤساء‭ ‬الدولة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬غورباتشوف‭ ‬آخر‭ ‬رؤساء‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭. ‬مقابل‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبفعل‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬أشعلها‭ ‬هي‭ ‬معرضة‭ ‬للتفكك‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يقود‭ ‬نحو‭ ‬تفكك‭ ‬بعض‭ ‬ولاياتها‭ ‬الأغنى،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تُغيب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬الخارطة‭ ‬كدولة‭ ‬وستضعف‭ ‬من‭ ‬حضورها‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والسياسي‭. ‬وأن‭ ‬الإنهاك‭ ‬الداخلي‭ ‬للدولة‭ ‬لم‭ ‬يأتي‭ ‬فحسب‭ ‬مما‭ ‬أحدثته‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬من‭ ‬أثار‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬ولربما‭ ‬ثقافية‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وإنما‭ ‬عجز‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقد‭ ‬ونيف‭ ‬عقد‭ ‬الماضيين‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بأدوارها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والرعائية‭ ‬قد‭ ‬فاقم‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الداخلي‭ ‬الذي‭ ‬أخذ‭ ‬في‭ ‬بعضه‭ ‬بعدا‭ ‬طبقيا‭ ‬وآخر‭ ‬عرقيا‭ ‬وآخر‭ ‬إثنيا‭. ‬وإن‭ ‬الانفجار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وحركت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المتصاعدة‭ ‬والمصحوبة‭ ‬أحيانا‭ ‬بالعنف‭ ‬والفوضى،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وليد‭ ‬اللحظة‭ ‬وإنما‭ ‬عجلت‭ ‬منه‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وأشعله‭ ‬مقتل‭ ‬جورج‭ ‬فوليد،‭ ‬وهي‭ ‬أحداث‭ ‬مع‭ ‬استمرارها‭ ‬تقلص‭ ‬وبشكل‭ ‬كبير‭ ‬فرص‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬الفوز‭ ‬لأربع‭ ‬سنوات‭ ‬أخرى‭.‬

‭ ‬فالانفجارات‭ ‬والفوضى‭ ‬والعصيان‭ ‬المدني‭ ... ‬وغيرها‭ ‬والتي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬وليدة‭ ‬لحظة‭ ‬حدوثها‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬تفاعلات‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬لسنين‭ ‬قد‭ ‬تطول،‭ ‬وهي‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬مشكلات‭ ‬اجتماعية‭ ‬عميقة‭ ‬وممارسات‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬تركت‭ ‬دون‭ ‬حل‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬الحل‭. ‬وهي‭ ‬قد‭ ‬تحدث‭ ‬نتيجة‭ ‬لحوادث‭ ‬بسيطة‭ ‬قد‭ ‬نستصغرها،‭ ‬وإذا‭ ‬بها‭ ‬تشعل‭ ‬المجتمع‭ ‬ككل‭ ‬وقد‭ ‬تطيح‭ ‬بالدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬أو‭ ‬أحدهما‭. ‬وقد‭ ‬تتفاعل‭ ‬مع‭ ‬لحظتها‭ ‬متغيرات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬ثقافية‭ ‬ولربما‭ ‬تكنولوجية‭ ‬قد‭ ‬تأتي‭ ‬مصاحبة‭ ‬لها‭ ‬ولربما‭ ‬متغيرات‭ ‬مساهمة‭ ‬في‭ ‬تعبئة‭ ‬العامة‭ ‬وشحن‭ ‬الفئة‭ ‬المستهدفة‭..‬‭ ‬فقبل‭ ‬مقتل‭ ‬جورج‭ ‬فلويد‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحوادث‭ ‬التي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬أو‭ ‬الشرطة‭ ‬الامريكية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تشعل‭ ‬المجتمع‭ ‬كما‭ ‬أشعلها‭ ‬حادث‭ ‬مقتل‭ ‬جورج‭ ‬فلويد‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شرطة‭ ‬ولاية‭ ‬مانيابلس‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وجعلها‭ ‬حركة‭ ‬احتجاجية‭ ‬قابلة‭ ‬للاتساع‭ ‬لتشمل‭ ‬كل‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مواجهتها‭ ‬بالعنف،‭ ‬قد‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬فلولها‭ ‬المنفلتة‭ ‬مبررا‭ ‬للجنوح‭ ‬للعنف‭ ‬الفوضى،‭ ‬وهو‭ ‬عنف‭ ‬قد‭ ‬يقوض‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬أمن‭ ‬الناس‭ ‬والمجتمع‭..‬

‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬حديثها‭ ‬عن‭ ‬أفول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ولربما‭ ‬أوروبا،‭ ‬قد‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬عجز‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وشعور‭ ‬بتآكل‭ ‬جوهر‭ ‬الهوية‭ ‬نتيجة‭ ‬للخليط‭ ‬السكاني‭ ‬الذي‭ ‬باتت‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬وسياساتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬صهره،‭ ‬وإذا‭ ‬به‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬كنتونات‭ ‬اجتماعية‭ ‬متجاورة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للانصهار‭ ‬نتيجة‭ ‬لموانعها‭ ‬العرقية‭ ‬والثقافية‭ ‬ولربما‭ ‬الدينية‭ ‬ولربما‭ ‬كذلك‭ ‬المنافع‭ ‬المتمايزة‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬لأسبابها‭ ‬السابقة‭: ‬كالتمايز‭ ‬في‭ ‬المنافع‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬اللون‭ ‬والعرق‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬البيض‭ ‬والسود‭. ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحامل‭ ‬ولربما‭ ‬حقد‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬نتيجة‭ ‬للخوف‭ ‬وغياب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬واللا‭ ‬تساوي‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬وعجز‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة،‭ ‬في‭ ‬السنين‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬تحييد‭ ‬نزعاتهم‭ ‬العرقية‭ ‬والإثنية‭ ‬عن‭ ‬المواقع‭ ‬والمراكز‭ ‬التي‭ ‬يحتلونها،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬أجهزة‭ ‬مؤكدة‭ ‬لحالة‭ ‬الانقسام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭. ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬تعليقات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬واحتضانه‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬انتقاده‭ ‬للجماعات‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬التي‭ ‬منها‭ ‬يستمد‭ ‬بعض‭ ‬الدعم،‭ ‬قد‭ ‬أصبغ‭ ‬إدارات‭ ‬أو‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬طواقمها‭ ‬بنزعة‭ ‬شوفينية‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬انحيازية‭ ‬عرقية‭ ‬خطيرة‭ ‬تتشكل‭ ‬في‭ ‬أطرها‭ ‬بعض‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الولايات،‭ ‬وقد‭ ‬يتمثل‭ ‬بعض‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أجهزة‭ ‬الضبط‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬في‭ ‬طرائق‭ ‬سلوكها‭ ‬وفعلها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬واتجاهاتها‭ ‬الفكرية‭ ‬وأفعالها‭ ‬نحو‭ ‬الجماعات‭ ‬ذات‭ ‬اللون‭ ‬المختلف‭. ‬ويطرح‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬أهمية‭ ‬أحداث‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬الفكري‭ ‬والمرجعي‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬إطاره‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬والقائم‭ ‬تقليديا‭ ‬على‭ ‬المدرسة‭ ‬التقليدية‭ ‬من‭ ‬الجريمة‭ ‬والقائلة‭ ‬أن‭ ‬نزعة‭ ‬الإجرام‭ ‬متأصلة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬والأعراق‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬السياسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إصلاح‭ ‬أفراده‭ ‬والتعاطي؛‭ ‬بغرض‭ ‬الإصلاح‭ ‬مع‭ ‬مشكلاتهم‭ ‬المشكلة‭ ‬لفعل‭ ‬الجريمة‭. ‬

وإن‭ ‬محاولات‭ ‬بعض‭ ‬قوى‭ ‬الاعتدال‭ ‬والجماعات‭ ‬الليبرالية‭ ‬غير‭ ‬النازعة‭ ‬للعنف‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬ورفعها‭ ‬لشعار‭ ‬“حياة‭ ‬السود‭ ‬تهمنا”‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬لقطاع‭ ‬مؤثر‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬جعلها‭ ‬حركة‭ ‬تهم‭ ‬المجتمع‭ ‬ككل‭ ‬وليس‭ ‬قطاع‭ ‬عرقي‭ ‬بعينه‭. ‬وهي‭ ‬حركة‭ ‬قد‭ ‬تحدث‭ ‬بعض‭ ‬الاصلاح‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬سيبقى‭ ‬محدودا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتبن‭ ‬الدولة‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سياساتها‭ ‬وأفعالها‭. ‬فدعم‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الأمريكي‭ ‬لوصول‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬لرئاسة‭ ‬الدولة‭ ‬كان‭ ‬تحولا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بقيت‭ ‬تأثيراته‭ ‬محدودة‭ ‬وعجزت‭ ‬عن‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬توجهات‭ ‬المجتمع‭ ‬نحو‭ ‬السود‭ ‬الأمريكيين‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬توماس‭ ‬فريدمان‭ ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬شخصية‭ ‬ذات‭ ‬ثقل‭ ‬فكري‭ ‬ومتسمة‭ ‬بالعقلانية‭ ‬وذات‭ ‬توجهات‭ ‬كلية‭ ‬كابراهم‭ ‬لنكولن،‭ ‬فإن‭ ‬مقدار‭ ‬التحول‭ ‬سيبقى‭ ‬محدودا،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬فريدمان‭: ‬“نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬لقيادة‭ ‬حكيمة‭ ‬تهدأ‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬الملتهب‭ ‬وتعالج‭ ‬أسبابه‭ ‬الحقيقة‭ ‬العميقة‭ ‬وليست‭ ‬الظاهرة‭ ‬وتأخذنا‭ ‬بسلام‭ ‬نحو‭ ‬انتخابات‭ ‬العام‭ ‬2020”‭.‬

وهي‭ ‬أماني‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬متحققة‭ ‬أو‭ ‬قابلة‭ ‬للتحقق‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مجتمع‭ ‬أصبح‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬فريدمان‭ ‬متجها‭ ‬نحو‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الثقافية‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وبين‭ ‬البيض‭ ‬والسود‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬عجز‭ ‬الدولة‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬مهدئ‭ ‬للحالة‭ ‬المشتعلة‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الأمريكيين‭ ‬نتيجة‭ ‬لطبيعة‭ ‬شخصية‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬جوهر‭ ‬النزعة‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تأخذها‭ ‬نحو‭ ‬قدرا‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬كبيرا‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬الشخصنة‭.‬

وختاما،‭ ‬فإن‭ ‬التساؤل‭ ‬المطروح‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدمه‭ ‬الحالة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭. ‬ونعتقد‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬تجاربنا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬جمة‭ ‬وعديدة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر‭ ‬المستخلصة‭ ‬منها‭ ‬محدودة‭ ‬أو‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬اللا‭ ‬شيء‭.. ‬وهي‭ ‬حوادث‭ ‬قد‭ ‬أنهكت‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬المجتمع‭ ‬بسبب‭ ‬مشاكل‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬وانعدام‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬وخصام‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عداء‭ ‬وقطيعة‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وهي‭ ‬أسباب‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬فيها‭ ‬المنطقة‭ ‬بحلول‭ ‬وعبر‭.‬