“حينَ يرقى الجُهَّالُ على أكتافِ العلماء”

| هدى حرم

غزتْ‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬حياتَنا،‭ ‬وظهرَ‭ ‬من‭ ‬العدمِ‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬بالإنترنت،‭ ‬تسرَّبَ‭ ‬للعامةِ‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬وباتوا‭ ‬يستخدمونهُ‭ ‬للتواصل،‭ ‬وباتتْ‭ ‬الكرةُ‭ ‬الأرضيةُ‭ ‬الشاسعةُ‭ ‬قريةً‭ ‬صغيرةً،‭ ‬وبدأتْ‭ ‬عواصفُ‭ ‬العولمة،‭ ‬بدأتْ‭ ‬هادئةً‭ ‬وخجولة،‭ ‬ثم‭ ‬عصفتْ‭ ‬بقوة‭ ‬وتلاطمتنا‭ ‬أمواجُ‭ ‬التطبيقاتِ‭ ‬الهادرة‭.‬

تعددتْ‭ ‬وسائلُ‭ ‬الاتصال،‭ ‬وتورطَ‭ ‬الجميعُ‭ ‬في‭ ‬استخدامِ‭ ‬“السوشال‭ ‬ميديا”،‭ ‬وعلى‭ ‬اختلافِ‭ ‬البشرِ‭ ‬اختلفتْ‭ ‬أهدافهم،‭ ‬فالبعضُ‭ ‬وجدَ‭ ‬في‭ ‬السوشال‭ ‬ميديا‭ ‬وسيلةً‭ ‬للعملِ‭ ‬والكسب،‭ ‬وآخرونَ‭ ‬وجدوها‭ ‬طريقة‭ ‬للتواصلِ‭ ‬اللطيفِ‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬بينما‭ ‬استغلها‭ ‬آخرونَ‭ ‬لكسبِ‭ ‬المالِ‭ ‬والشهرة،‭ ‬بلا‭ ‬مؤهلاتٍ‭ ‬ولا‭ ‬شهاداتٍ‭ ‬يمتلكونها،‭ ‬ظهروا‭ ‬علينا‭ ‬فجأةً‭ ‬وبكل‭ ‬ثقة‭ ‬عبرَ‭ ‬وسائلِ‭ ‬التواصل،‭ ‬يستعرضونَ‭ ‬دقائقَ‭ ‬حياتِهم‭ ‬ويومياتِهم،‭ ‬يتبضعونَ‭ ‬السلعَ‭ ‬ويُعلنون‭ ‬لمنتج،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحوا‭ ‬أشهرَ‭ ‬من‭ ‬نارٍ‭ ‬على‭ ‬بيرق،‭ ‬وجعلوا‭ ‬يحصدونَ‭ ‬أعداداً‭ ‬مهولةً‭ ‬من‭ ‬المعجبينَ‭ ‬والمتابعين‭. ‬

لمْ‭ ‬يكتفِ‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتابعونَ‭ ‬والمعجبونَ‭ ‬بمتابعتهم،‭ ‬بل‭ ‬أنشأوا‭ ‬باسمِ‭ ‬مشاهيرِهم‭ ‬حساباتٍ‭ ‬في‭ ‬وسائلِ‭ ‬التواصلِ‭ ‬المختلفة،‭ ‬انتفخَ‭ ‬ريشُهم‭ ‬بالإعجابِ‭ ‬ودوَّى‭ ‬صيتُهم‭ ‬كطبلة‭ ‬فارغة‭.‬

هؤلاءِ‭ ‬أصبحوا‭ ‬أهمَّ‭ ‬من‭ ‬العلماءِ‭ ‬والأطباءِ‭ ‬والمعلمينَ‭ ‬والقادةِ‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬صوتُهم‭ ‬مسموعٌ‭ ‬وأوامرُهم‭ ‬مُجابة،‭ ‬حتى‭ ‬فشى‭ ‬الوباءُ،‭ ‬فتنحَّى‭ ‬دورُهم‭ ‬كزيادةٍ‭ ‬على‭ ‬الحياة،‭ ‬وصاروا‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الكمالياتِ‭ ‬والترفيهِ‭ ‬الذي‭ ‬لمْ‭ ‬يعُدْ‭ ‬له‭ ‬داعٍ‭ ‬في‭ ‬ظلِ‭ ‬الجائحة‭. ‬

لكنْ‭ ‬إذا‭ ‬زالَ‭ ‬الخطر‭ ‬تبددَ‭ ‬الأثر،‭ ‬وستنتهي‭ ‬عزلة‭ ‬هؤلاء،‭ ‬ليواصلوا‭ ‬التسلقَ‭ ‬من‭ ‬جديد؛‭ ‬فحينَ‭ ‬يرقى‭ ‬الجُهّالُ‭ ‬على‭ ‬أكتافِ‭ ‬العلماءِ‭ ‬ويعلو‭ ‬صيتهم‭ ‬وينخفضُ‭ ‬صيتُ‭ ‬المتبحرين‭ ‬في‭ ‬العلم،‭ ‬ويصبحُ‭ ‬لهم‭ ‬شأناً‭ ‬أعلى؛‭ ‬فيعيشون‭ ‬كالمشاهيرِ‭ ‬في‭ ‬رغدِ‭ ‬العيشِ‭ ‬في‭ ‬القصور،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يتشردُ‭ ‬المعلمُ‭ ‬والمهندسُ‭ ‬والطبيب؛‭ ‬فاعلمْ‭ ‬أنَّ‭ ‬وراءَ‭ ‬أولئكَ‭ ‬الجُهّال‭ ‬فرقةٌ‭ ‬من‭ ‬المشجعينَ‭ ‬الحمقى‭ ‬الذين‭ ‬ينسجمون‭ ‬معهم‭ ‬ولا‭ ‬يفقهون،‭ ‬وما‭ ‬أكثرهمْ‭!.‬