مرحلة الانتصارات المتوالية

| عباس العمران

يعيشُ‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬أوقاتا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متوقعة؛‭ ‬فالجميع‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ترقب‭ ‬وحذر‭ ‬شديد،‭ ‬وبلا‭ ‬شك،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬الاستثنائي‭ ‬أظهر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬الغائبة‭ ‬عن‭ ‬الذهن،‭ ‬منها‭ ‬مثلاً‭ ‬زيف‭ ‬التحضر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تدخر‭ ‬جهدا‭ - ‬في‭ ‬السابق‭ - ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬ملف‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬عالميًا‭ ‬والتشدق‭ ‬بشروطه‭ ‬واستحقاقاته؛‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬كورونا‭ ‬هذا‭ ‬ألجمها‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬وأطاح‭ ‬بادعاءاتها‭ ‬وافتراضاتها‭ ‬وأظهر‭ ‬حجم‭ ‬تراخيها‭ ‬وتأخرها‭ ‬عن‭ ‬نجدة‭ ‬مواطنيها‭ ‬بما‭ ‬يناسب‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬تدابير‭ ‬وقاية‭ ‬وإنقاذ،‭ ‬وفي‭ ‬النتيجة‭ ‬المؤسفة‭ ‬كانت‭ ‬أعداد‭ ‬الوفيات‭ ‬عندهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬مهولة‭ ‬ومرعبة‭.‬

وكشف‭ ‬المشهد‭ ‬عن‭ ‬خيبة‭ ‬كبرى‭ ‬تسببت‭ ‬بها‭ ‬دول‭ ‬عظمى‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬الإمكانيات‭ ‬ما‭ ‬يخوّلها‭ ‬تحقيق‭ ‬المستحيل‭ ‬لكنّها‭ ‬–‭ ‬وللأسف‭ - ‬ظهرت‭ ‬بهيئة‭ ‬خجولة‭ ‬تعجز‭ ‬معها‭ ‬عن‭ ‬كفّ‭ ‬الرعب‭ ‬الذي‭ ‬دبّ‭ ‬في‭ ‬أوصال‭ ‬بلادها‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الوباء،‭ ‬وهاهي‭ ‬تخفق‭ ‬إخفاقا‭ ‬موجعا‭ ‬في‭ ‬إيقاف‭ ‬مد‭ ‬الوباء‭ ‬ومنعه‭ ‬عن‭ ‬خطف‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭.‬

نجد‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬قد‭ ‬سطرت‭ ‬أروع‭ ‬الأمثلة‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الفيروس،‭ ‬باعتماد‭ ‬سياسات‭ ‬احترافية‭ ‬عالية‭ ‬برئاسة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬الأمين‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انتشاره‭ ‬وتقديم‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬المطلوبة‭.‬

فالقيادة‭ ‬الحكيمة‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬بلا‭ ‬انقطاع‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬وكما‭ ‬عبرت‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭ ‬“شيوخ‭ ‬الدار‭ ‬في‭ ‬الميدان”،‭ ‬إذ‭ ‬إنهم‭ ‬أدركوا‭ ‬ما‭ ‬للعامل‭ ‬النفسي‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تحقق‭ ‬الشفاء؛‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تسعى‭ ‬إليه‭ ‬جهودهم‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬طمأنة‭ ‬الشعب‭ ‬وتقوية‭ ‬عزيمته،‭ ‬فحرصت‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬اللقاءات‭ ‬اليومية‭ ‬المستمرة‭ ‬مع‭ ‬المسؤولين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بحث‭ ‬مستجدات‭ ‬الوباء‭.‬

نُدرك‭ ‬أن‭ ‬مباغتة‭ ‬الفيروس‭ ‬للعالم‭ ‬كانت‭ ‬موجعة‭ ‬ومربكة‭ ‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬نشعر‭ ‬بالذعر‭ ‬كما‭ ‬شعرت‭ ‬به‭ ‬دول‭ ‬أخرى؛‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬بحكمة‭ ‬بالغة‭ ‬وروية‭ ‬وكنا‭ ‬كذلك‭ ‬شعبا‭ ‬يعمل‭ ‬بحجم‭ ‬الموقف‭ ‬الحساس؛‭ ‬إذ‭ ‬تعاون‭ ‬الناس‭ ‬مع‭ ‬التعليمات‭ ‬بصورة‭ ‬حضارية‭. ‬

كما‭ ‬قدّمت‭ ‬البحرين‭ ‬دعمها‭ ‬الفوري‭ ‬والعاجل‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للاقتصاد،‭ ‬عبر‭ ‬عدة‭ ‬مبادرات‭ ‬شملت‭ ‬جل‭ ‬الميادين‭ ‬التجارية؛‭ ‬حيثُ‭ ‬ضخّت‭ ‬الحكومة‭ ‬حزمة‭ ‬مالية‭ ‬تحفيزية‭ ‬ضخمة‭ ‬مباشرة‭ ‬تقدّر‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬11‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬تضمنت‭ ‬دفع‭ ‬رواتب‭ ‬المواطنين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬لثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬وتأجيل‭ ‬القروض‭ ‬البنكية‭ ‬للأفراد‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬لستة‭ ‬أشهر‭. ‬

ختاما،‭ ‬لقد‭ ‬أثبتت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬جدارة‭ ‬الحكومة‭ ‬واقتدارها‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬والطوارئ،‭ ‬وتجلت‭ ‬الفوائد‭ ‬الجمّة‭ ‬للعمل‭ ‬المؤسسي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬الذي‭ ‬تديره‭ ‬قيادة‭ ‬حكيمة‭ ‬تمكّنت‭ ‬عبر‭ ‬عملها‭ ‬الدؤوب‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬اليوم‭ ‬وقفتها‭ ‬المشرّفة‭ ‬هذه‭.‬