عن الأشياء التي تغيرت

| مريم أبودريس

مع‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬تغير‭ ‬شكل‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬البشرية‭ ‬قبلاً،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الأشياء‭ ‬تمشي‭ ‬بذات‭ ‬السرعة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عليها،‭ ‬توقف‭ ‬العالم‭ ‬لبرهة‭ ‬عن‭ ‬الدوران‭ ‬محاولاً‭ ‬استيعاب‭ ‬الحدث،‭ ‬نحن‭ ‬أيضاً‭ ‬تغيرت‭ ‬نظرتنا‭ ‬للأشياء‭ ‬والأحداث‭ ‬حولنا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كنا‭ ‬نعتقد‭ ‬أننا‭ ‬لسنا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للتنازل‭ ‬عن‭ ‬شيء،‭ ‬قمنا‭ ‬مضطرين‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الظرف‭ ‬القاهر‭ ‬بتغيير‭ ‬خططنا‭ ‬كلها‭ ‬وتأقلمنا‭.‬

العمل‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬خطوة‭ ‬بدأ‭ ‬تنفيذها‭ ‬ديوان‭ ‬الخدمة‭ ‬المدنية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬ضيق‭ ‬بتشجيع‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة‭ ‬قبيل‭ ‬بدء‭ ‬الجائحة،‭ ‬ومع‭ ‬اشتداد‭ ‬وطأة‭ ‬الجائحة‭ ‬عمل‭ ‬معظم‭ ‬الموظفين‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬جودته،‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬المعاملات‭ ‬يمكن‭ ‬إنجازها‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬للقيام‭ ‬بمشوار‭ ‬قد‭ ‬يستغرق‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬الازدحام‭ ‬والانتظار،‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬تفشي‭ ‬الفيروس‭ ‬هو‭ ‬سكن‭ ‬العمال‭ ‬المشترك‭ ‬وغير‭ ‬اللائق،‭ ‬معضلة‭ ‬أخلاقية‭ ‬كانت‭ ‬تحدث‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬الجميع‭ ‬دون‭ ‬التفات‭ ‬إلى‭ ‬حق‭ ‬هؤلاء‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬سكن‭ ‬لائق‭ ‬يحفظ‭ ‬كرامتهم‭ ‬الإنسانية‭ ‬وهذه‭ ‬مسؤولية‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعمال‭ ‬وليست‭ ‬مسؤولية‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تكفلت‭ ‬مشكورة‭ ‬بتوفير‭ ‬السكن‭ ‬المؤقت‭ ‬للعمال‭ ‬لاحتواء‭ ‬المرض‭. ‬

السؤال‭ ‬الذي‭ ‬نطرحه‭.. ‬هل‭ ‬سنعود‭ ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬قبل‭ ‬كورونا‭ ‬أم‭ ‬سنتغير‭ ‬وفقاً‭ ‬للتجارب‭ ‬التي‭ ‬عبرناها،‭ ‬هل‭ ‬سنجد‭ ‬قرارات‭ ‬تنظم‭ ‬سكن‭ ‬العمال‭ ‬وتشرف‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬القرارات‭ ‬وضمان‭ ‬التزام‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعمال‭ ‬بها‭ ‬أم‭ ‬سنعود‭ ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬نفسح‭ ‬المجال‭ ‬للجشع‭ ‬أن‭ ‬يضعنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬مجدداً‭. ‬

هل‭ ‬سنبني‭ ‬على‭ ‬الإنجاز‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬بالتحول‭ ‬الإلكتروني‭ ‬لجميع‭ ‬المعاملات،‭ ‬وهل‭ ‬سنبقي‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬لأداء‭ ‬مهامهم‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬بعدما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬وتجربة‭ ‬حية‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬فرقاً‭ ‬بوجود‭ ‬التقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬والإمكانيات‭ ‬اللامحدودة‭.‬

تخيلوا‭ ‬شوارعنا‭ ‬بلا‭ ‬ازدحام‭ ‬بسبب‭ ‬اكتظاظ‭ ‬آلاف‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬واحد،‭ ‬وتخيلوا‭ ‬سكن‭ ‬عمال‭ ‬منظما‭ ‬بطريقة‭ ‬النزل‭ ‬أو‭ ‬بيوت‭ ‬الشباب‭ ‬المجهزة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الأحياء‭ ‬السكنية‭ ‬للعائلات،‭ ‬وتخيلوا‭ ‬الأداء‭ ‬الوظيفي‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬صديقة‭ ‬لا‭ ‬يضطر‭ ‬فيها‭ ‬الموظف‭ ‬للتعرض‭ ‬لكل‭ ‬أسباب‭ ‬القلق‭ ‬والتوتر،‭ ‬وتخيلوا‭ ‬هواءنا‭ ‬أقل‭ ‬تلوثاً،‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كما‭ ‬قبله‭.‬