دعوة لإنشاء مؤسسات وقفية مدنية

| تقي محمد البحارنة

على‭ ‬هامش‭ ‬ما‭ ‬تطرق‭ ‬إليه‭ ‬مقال‭ ‬السيد‭ ‬ضياء‭ ‬الموسوي‭ ‬عن‭ ‬مسيرة‭ ‬الأوقاف‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬“البلاد”‭ ‬بتاريخ‭ ‬3‭ ‬يونيو‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬التطرّق‭ ‬إلى‭ ‬صلب‭ ‬المقال،‭ ‬رأيت‭ ‬أنه‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المفيد،‭ ‬مساهمة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬أدارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬الشرعية‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الخيري،‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬نشر‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬لتعميم‭ ‬الفائدة‭ ‬المرجوة‭ ‬لقراء‭ ‬“البلاد”‭ ‬الأعزاء‭.‬

يعتبر‭ ‬نظام‭ ‬الوقف‭ ‬الإسلامي‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخيرية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭. ‬ولاشك‭ ‬أنه‭ ‬توجد‭ ‬لدى‭ ‬وزارات‭ ‬الاوقاف‭ ‬ودوائرها‭ ‬في‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والاسلامي‭ ‬وثائق‭ ‬وسجلات‭ ‬تاريخية‭ ‬مفيدة‭ ‬فيما‭ ‬يختص‭ ‬بالاوقاف‭ ‬الخيرية‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مصادرها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أغراضها‭ ‬المتعددة‭.‬

وبدءا‭ ‬بالعصر‭ ‬الاموي‭ ‬والعباسي،‭ ‬حتى‭ ‬العصور‭ ‬المتأخرة،‭ ‬كانت‭ ‬تشاد‭ ‬بأموال‭ ‬الاوقاف‭ ‬المستشفيات‭ ‬العامة‭ (‬البيمارستانات‭) ‬ودور‭ ‬العجزة‭ ‬والايتام‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدينية‭.‬

ومن‭ ‬يراجع‭ ‬سجلات‭ ‬الاوقاف‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ووثائقها‭ ‬سوف‭ ‬يكتشف‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬سعة‭ ‬التفكير‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬الواقفين،‭ ‬أو‭ ‬نقيض‭ ‬ذلك‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭. ‬فمن‭ ‬قبيل‭ ‬سعة‭ ‬التفكير‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الاوقاف‭ ‬التي‭ ‬تتجاوب‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬وعلى‭ ‬الاخص‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمحافظة‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬وتمويل‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والعلمية‭. ‬

‭ ‬ومن‭ ‬قبيل‭ ‬ذلك‭ ‬تلك‭ ‬الاوقاف‭ ‬التي‭ ‬رصدت‭ ‬للتعليم،‭ ‬وأخرى‭ ‬لتشجيع‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬أهلية‭ ‬التصنيف‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬البحرين‭ ‬والخطيب‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬أهلية‭ ‬التوجيه‭ ‬والإرشاد،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬وجدت‭ ‬بعض‭ ‬الوقفيات‭ ‬مخصصة‭ ‬لصيانة‭ ‬الطرق‭ ‬وإزالة‭ ‬الحصى‭ ‬من‭ ‬دروب‭ ‬المسلمين‭.. ‬وأخرى‭ ‬لحفر‭ ‬العيون‭ ‬وآبار‭ ‬الماء‭ ‬وارواء‭ ‬السابلة‭.. ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭.‬

وكل‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬ذكره‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجانب‭ ‬الايجابي‭ ‬من‭ ‬الوقف‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جوانب‭ ‬سلبية‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتخصيص‭ ‬الوقف‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ضيقة‭ ‬تبعا‭ ‬لنص‭ ‬الوقفية،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بـ‭ ‬“الولاية“‭ ‬على‭ ‬الوقف،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالادارة‭ ‬وحرية‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬الاوقاف‭.‬

ويمكن‭ ‬إجمال‭ ‬تلك‭ ‬السلبيات‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬والملاحظات‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭:‬

‮١‬‭. ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الوقفيات‭ ‬العينية‭ ‬أو‭ ‬معظمها‭ ‬تقريبا‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تحمل‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬أو‭ ‬ماشابهه‭: ‬“وقفا‭ ‬مؤبدا‭ ‬وحبسا‭ ‬مخلدا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يرث‭ ‬الله‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬عليها”‭. ‬ثم‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭: ‬“فَمَن‭ ‬بَدَّلَهُ‭ ‬بَعْدَمَا‭ ‬سَمِعَهُ‭ ‬فَإِنَّمَا‭ ‬إِثْمُهُ‭ ‬عَلَى‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬يُبَدِّلُونَهُ‭ ‬ۚ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬سَمِيعٌ‭ ‬عَلِيمٌ”‭ (‬البقرة‭ ‬181‭).‬

ومن‭ ‬واقع‭ ‬التجربة‭ ‬التطبيقية‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬يقف‭ ‬عائقا‭ ‬أمام‭ ‬تحقيق‭ ‬الفائدة‭ ‬المرجوة‭ ‬لدى‭ ‬الواقف‭ ‬من‭ ‬العين‭ ‬الموقوفة،‭ ‬كما‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الامثلة‭ ‬التالية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للاوقاف‭ ‬الجعفرية‭: ‬المثال‭ ‬الاول‭: ‬وقف‭ ‬الذرية‭ ‬وهو‭ ‬يكاد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اكثر‭ ‬الاوقاف‭ ‬انتشارا،‭ ‬وبموجبه‭ ‬يرصد‭ ‬الواقف‭ ‬منزلا‭ ‬أو‭ ‬بستانا‭ ‬أو‭ ‬أرضا‭ ‬أو‭ ‬عقارا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع،‭ ‬ليكون‭ ‬العقار‭ ‬أو‭ ‬الدخل‭ ‬موقوفا‭ ‬على‭ ‬أفراد‭ ‬ذريته‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬قد‭ ‬تستفيد‭ ‬الذرية‭ ‬لاسيما‭ ‬المحوجين‭ ‬منهم‭ ‬بتوفير‭ ‬السكن‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الوقف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكثر‭ ‬العدد‭ ‬بمرور‭ ‬السنين‭ ‬وتتضاءل‭ ‬حصص‭ ‬الورثة‭ ‬ومن‭ ‬يرثهم‭ ‬فيه،‭ ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬مدعاة‭ ‬لنشوء‭ ‬الخلاف‭ ‬ثم‭ ‬النزاع‭ ‬والتخاصم‭. ‬أما‭ ‬العين‭ ‬الموقوفة‭ ‬فتتعرض‭ ‬للإهمال‭ ‬فتتصدع‭ ‬أو‭ ‬تنهار‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن‭ ‬ويتفتت‭ ‬نصيب‭ ‬الورثة‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬تنتفي‭ ‬الفائدة‭ ‬المرجوة‭.‬

والمثال‭ ‬الثاني‭: ‬وقف‭ ‬المساجد‭ ‬والمآتم‭ ‬ودور‭ ‬العبادة‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬اغراض‭ ‬الوقف‭ ‬التقليدي‭. ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬–‭ ‬نتيجة‭ ‬للتطور‭ ‬العمراني‭ ‬ونشوء‭ ‬مدن‭ ‬جديدة‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬تبتعد‭ ‬تلك‭ ‬المساجد‭ ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬فتصبح‭ ‬مهملة‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬الطرق،‭ ‬أو‭ ‬عقبة‭ ‬أمام‭ ‬شق‭ ‬الطرق‭ ‬الجديدة‭. ‬وتبقى‭ ‬الاموال‭ ‬المخصصة‭ ‬لها‭ ‬محبوسة‭ ‬عليها‭.‬

وفي‭ ‬المقابل‭ ‬توجد‭ ‬أوقاف‭ ‬لمساجد‭ ‬ومآتم‭ ‬توصف‭ ‬بأنها‭ ‬“غنية“‭ ‬بسبب‭ ‬التطور‭ ‬العمراني‭ ‬وارتفاع‭ ‬حصيلتها‭ ‬من‭ ‬الإيجار‭ ‬بسبب‭ ‬الموقع،‭ ‬ثم‭ ‬تتراكم‭ ‬المبالغ‭ ‬الزائدة‭ ‬عن‭ ‬مصرف‭ ‬الموقوف‭ ‬له،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬ادارة‭ ‬الوقف‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬الاموال‭ ‬الزائدة‭ ‬لصرفها‭ ‬في‭ ‬المشروعات‭ ‬الخيرية‭ ‬لكونها‭ ‬محبوسة‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬الوقف‭. ‬وفي‭ ‬أحسن‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬فيها‭ ‬ادارة‭ ‬الاوقاف‭ ‬جهودا‭ ‬كبيرة‭ ‬لاستصدار‭ ‬فتاوى‭ ‬شرعية‭ ‬لم‭ ‬يسمح‭ ‬بالتصرف‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الاموال‭ ‬الا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬تقديمها‭ ‬كقروض‭ ‬لاستصلاح‭ ‬أوقاف‭ ‬اخرى‭ ‬ثم‭ ‬استعادتها‭ ‬من‭ ‬دخل‭ ‬المستصلح‭ ‬منها‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬اعتبرت‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬بادرة‭ ‬ايجابية‭ ‬مفيدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ادارة‭ ‬الاوقاف‭ ‬السابقة‭. ‬لكنها‭ ‬ظلت‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تلبية‭ ‬المطلب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الملح‭ ‬بإنفاق‭ ‬المال‭ ‬الزائد‭ ‬على‭ ‬مشروعات‭ ‬خيرية‭ ‬عامة‭ ‬أو‭ ‬التبرع‭ ‬بها‭ ‬لنفس‭ ‬الغرض،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬النص‭ ‬الصريح‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الوقفيات‭. ‬واللوم‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬الادارة‭ ‬وانما‭ ‬على‭ ‬نص‭ ‬الوقفية‭.. ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أذنت‭ ‬الفتوى‭ ‬الشرعية‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬محتمل‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الاحوال‭.‬

لكل‭ ‬تلك‭ ‬الاسباب،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬ادارة‭ ‬الاوقاف‭ ‬الشرعية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬–‭ ‬رغم‭ ‬ضخامة‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬المتوافرة‭ ‬تحت‭ ‬ادارتها‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬تمد‭ ‬يد‭ ‬المساعدة‭ ‬لمشروع‭ ‬خيري،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تباشر‭ ‬بنفسها‭ ‬تأسيس‭ ‬أو‭ ‬تمويل‭ ‬مشروعات‭ ‬خيرية‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬أملاك‭ ‬موقوفة‭ ‬عليها‭. ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬وجدت‭ ‬أوقاف‭ ‬لمشروعات‭ ‬خيرية‭ ‬عامة‭ ‬بلا‭ ‬تخصيص،‭ ‬فإن‭ ‬حصيلتها‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬قليلة‭ ‬نظرا‭ ‬لانصراف‭ ‬معظم‭ ‬الواقفين‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭.. ‬أما‭ ‬بسبب‭ ‬ضيق‭ ‬التفكير‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬انتشار‭ ‬الوعي،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬عدم‭ ‬الراحة‭ ‬النفسية‭ ‬لديهم‭ ‬لتفويض‭ ‬أمر‭ ‬صرف‭ ‬الاموال‭ ‬الوقفية‭ ‬الى‭ ‬مجالس‭ ‬ادارة‭ ‬الاوقاف‭. ‬

ولمعالجة‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬فإن‭ ‬امام‭ ‬ادارات‭ ‬الاوقاف‭ ‬لدينا‭ ‬مسؤولية‭ ‬توعية‭ ‬الجمهور‭ ‬و‭ ‬محبي‭ ‬أعمال‭ ‬الخير‭ ‬بجميع‭ ‬الطرق‭ ‬المتاحة‭ (‬خطابيا‭ ‬وإعلاميا،‭ ‬واستصدار‭ ‬الفتاوى‭ ‬الشرعية‭) ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬تشجيع‭ ‬الوقف‭ ‬الخيري‭ ‬للنفع‭ ‬العام‭ ‬دون‭ ‬تخصيص‭ ‬لكي‭ ‬تساهم‭ ‬ادارات‭ ‬الاوقاف‭ ‬في‭ ‬المشروعات‭ ‬الخيرية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم‭ ‬والتدريب‭ ‬والصحة‭ ‬والاسكان‭ ‬الى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬اصبح‭ ‬أكثر‭ ‬إلحاحا‭ ‬اليوم‭ ‬بسبب‭ ‬تراكم‭ ‬المشاكل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتفشي‭ ‬البطالة،‭ ‬وفي‭ ‬العهد‭ ‬الميمون‭ ‬للاصلاح‭ ‬الشامل،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬إجراء‭ ‬تطوير‭ ‬ملموس‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬ادارات‭ ‬الاوقاف‭ ‬وتنويع‭ ‬مصادرها‭ ‬وطرق‭ ‬مساهمتها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬الاجتماعي‭.‬

المؤسسات‭ ‬الخيرية‭ ‬ودورها‭: ‬تعتبر‭ ‬الصناديق‭ ‬الخيرية‭ ‬المنتشرة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬البحرين‭ ‬ةلرافد‭ ‬الاساس‭ ‬للاعمال‭ ‬الخيرية،‭ ‬وهي‭ ‬تضطلع‭ ‬بدور‭ ‬أساس‭ ‬ومهم‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬التبرعات‭ ‬والصدقات‭ ‬للصرف‭ ‬على‭ ‬الاعمال‭ ‬الخيرية‭. ‬والمشكلة‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬تلك‭ ‬الصناديق‭ ‬والجمعيات‭ ‬–‭ ‬اذا‭ ‬صرفنا‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مشاكل‭ ‬الادارة‭ ‬والوسائل‭ ‬والاهداف‭ ‬–‭ ‬هي‭ ‬قلة‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬لديها‭. ‬فهي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬رسوم‭ ‬اشتراكات‭ ‬الاعضاء‭ ‬والتبرعات‭ ‬التي‭ ‬تصلها‭.‬

كما‭ ‬انها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬مصادر‭ ‬مالية‭ ‬متجددة‭ ‬ذاتيا‭. ‬فهي‭ ‬تصرف‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يصلها‭ ‬من‭ ‬إيراد‭.‬

ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬الحديث،‭ ‬توجد‭ ‬مؤسسات‭ ‬خيرية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬ذاتية‭ ‬متجددة‭. ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬تسمى‭ ‬بمؤسسات‭ ‬خيرية‭ ‬لتمييزها‭ ‬عن‭ ‬الصناديق‭ ‬الخيرية‭.‬

وتنشأ‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخيرية‭ ‬حين‭ ‬تقوم‭ ‬جهة‭ ‬ذات‭ ‬قدرة‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة،‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬والافراد‭ ‬من‭ ‬محبي‭ ‬الخير،‭ ‬بتخصيص‭ ‬مبالغ‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الاموال‭ ‬أو‭ ‬الاملاك‭ ‬القيمة‭ ‬لانشاء‭ ‬مؤسسة‭ ‬للاعمال‭ ‬الخيرية‭ ‬وتسجيلها‭ ‬لدى‭ ‬كاتب‭ ‬العدل‭ ‬وتكوين‭ ‬إدارة‭ ‬تكون‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬اغراض‭ ‬المؤسسة،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬استمراريتها‭ ‬واستمرار‭ ‬مشروعاتها‭ ‬وأعمالها‭. ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬وقفا‭ ‬شرعيا‭ ‬يدار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الاوقاف‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬وقف‭ ‬خيري‭ ‬ذو‭ ‬صفة‭ ‬مدنية،‭ ‬يتم‭ ‬تسجيله‭ ‬كمشروع‭ ‬مؤسسي‭. ‬ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مؤسسة‭ ‬فورد‭ ‬الخيرية،‭ ‬ومؤسسة‭ ‬روكفلر،‭ ‬وفي‭ ‬البرتغال‭ ‬مؤسسة‭ ‬كولبنكيان‭ ‬المشهورة،‭ ‬وفي‭ ‬بريطانيا‭ ‬مؤسسة‭ (‬ولكام‭) ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬وتدير‭ ‬مشروعات‭ ‬ومنتجات‭ ‬تجارية‭ ‬وصحية‭ ‬كبيرة‭ ‬مخصصة‭ ‬أرباحها‭ ‬للمشروعات‭ ‬الخيرية‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬نشأت‭ ‬منذ‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬لدى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الاعمال‭ ‬ومحبي‭ ‬الخير‭ ‬فكرة‭ ‬إنشاء‭ ‬مؤسسة‭ ‬للمشروعات‭ ‬الخيرية‭. ‬وهي‭ ‬فكرة‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬النور‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬المحاولة‭ ‬لانشاء‭ ‬رافد‭ ‬جديد‭ ‬للاعمال‭ ‬الخيرية،‭ ‬حيث‭ ‬تتبنى‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬انشاء‭ ‬مشروعات‭ ‬اقتصادية‭ ‬ذات‭ ‬جدوى‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الصناعية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬والخدمات‭ ‬وغيرها‭.. ‬وتخصيص‭ ‬أرباحها‭ ‬للصرف‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬الخير‭ ‬وامتصاص‭ ‬العمالة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتدريب‭ ‬القوى‭ ‬العاملة،‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬وغيرها‭. ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬يكون‭ ‬شعارها‭ ‬“ساعد‭ ‬نفسك”،‭ ‬فهي‭ ‬تدرس‭ ‬الاسباب‭ ‬والعقبات‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬بين‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬مجزٍ،‭ ‬أو‭ ‬الترقي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭. ‬وهي‭ ‬تقوم‭ ‬بتذليل‭ ‬تلك‭ ‬الصعوبات،‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التعليم‭ ‬أو‭ ‬التدريب‭ ‬أو‭ ‬العلاج‭ ‬أو‭ ‬تزويد‭ ‬الحرفيين‭ ‬بالادوات‭ ‬والمواد‭ ‬للابداع‭ ‬في‭ ‬حرفهم‭ ‬أو‭ ‬أعمالهم‭. ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬المؤسسة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬مساعدة‭ ‬الفرد‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬عيشه‭ ‬بنفسه‭ ‬ليتحول‭ ‬من‭ ‬عاطل‭ ‬الى‭ ‬شخص‭ ‬منتج‭. ‬ولاشك‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬نهوض‭ ‬المجتمعات‭ ‬وازدهارها‭. ‬

وفي‭ ‬الختام‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬اكون‭ ‬قد‭ ‬استطعت‭ ‬إعطاء‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬العامة‭ ‬الموجزة‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬تطوير‭ ‬اسس‭ ‬ومفاهيم‭ ‬العمل‭ ‬الخيري‭ ‬بدءا‭ ‬بدوائر‭ ‬الاوقاف‭ ‬مرورا‭ ‬بالصناديق‭ ‬والجمعيات‭ ‬الخيرية‭.. ‬وانتهاء‭ ‬بجدوى‭ ‬انشاء‭ ‬موسسة‭ ‬للمشروعات‭ ‬الخيرية

تقوم‭ ‬على‭ ‬مفاهيم‭ ‬حديثة‭ ‬متطورة‭ ‬مع‭ ‬العصر‭ ‬وحاجات‭ ‬المجتمع‭ ‬المتجددة‭.‬

‭ ‬المصدر‭: ‬أحاديث‭ ‬وسير‭ ‬للمؤلف