ستة على ستة

الوباء الذي لا لقاح له (2)

| عطا السيد الشعراوي

ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬حادث‭ ‬وفاة‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬البشرة‭ ‬السوداء‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬مينيسوتا‭ ‬الأميركية‭ ‬أثناء‭ ‬القبض‭ ‬عليه،‭ ‬والاعتداء‭ ‬عليه‭ ‬بصورة‭ ‬همجية‭ ‬بتثبيته‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بالضغط‭ ‬على‭ ‬رقبته‭ ‬بالقوة‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬رسوخ‭ ‬ظاهرة‭ ‬مقلقة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأميركي‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬البيان‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬عن‭ ‬ولاية‭ ‬مينيسوتا‭ ‬آمي‭ ‬كلوبوبشار‭ ‬والذي‭ ‬دعت‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬خارجي‭ ‬كامل‭ ‬وشامل‭ ‬وضرورة‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬ليس‭ ‬لهذا‭ ‬الرجل‭ ‬وعائلته‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬للمجتمع‭ ‬والبلد‭.‬

هذا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬إزاء‭ ‬معاناة‭ ‬لفئة‭ ‬أو‭ ‬عرق‭ ‬من‭ ‬أعراق‭ ‬المجتمع‭ ‬الأميركي،‭ ‬ويمثل‭ ‬شريحة‭ ‬معتبرة‭ ‬منه،‭ ‬فقد‭ ‬تزامنت‭ ‬حادثة‭ ‬ولاية‭ ‬مينسوتا‭ ‬مع‭ ‬حادثة‭ ‬أخرى‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬شجار‭ ‬بين‭ ‬امرأة‭ ‬“بيضاء”‭ ‬تقوم‭ ‬بتمشية‭ ‬“كلبها”‭ ‬في‭ ‬“سنترال‭ ‬بارك”‭ ‬بنيويورك‭ ‬ورجل‭ ‬“أسود”‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬طلب‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬تقيد‭ ‬كلبها،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تهدد‭ ‬الرجل‭ ‬باستدعاء‭ ‬الشرطة،‭ ‬قائلة‭: ‬“سأخبرهم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬رجلا‭ ‬أميركيا‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬أفريقي‭ ‬يهدد‭ ‬حياتي”‭.‬

وتظهر‭ ‬بيانات‭ ‬أن‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬شهد‭ ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬البشرة‭ ‬السوداء‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشرطة،‭ ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والمنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬أن‭ ‬الأميركيين‭ ‬السود‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬لأن‭ ‬يقعوا‭ ‬ضحايا‭ ‬للشرطة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالأعراق‭ ‬الأخرى‭. ‬لهذا،‭ ‬قال‭ ‬الكاتب‭ ‬“جونب‭ ‬ليك”‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬نشرته‭ ‬شبكة‭ ‬“سي‭ ‬إن‭ ‬إن”‭ ‬الأميركية‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬تواجه‭ ‬وباء‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬لقاح‭ ‬له،‭ ‬يتمثل‭ ‬بالخوف‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬السود،‭ ‬محذرا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬يجعل‭ ‬أميركا‭ ‬البيضاء‭ ‬مشلولة،‭ ‬ويهدد‭ ‬حياة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬السود‭ ‬ويعرضهم‭ ‬للاكتئاب‭ ‬جراء‭ ‬تلك‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه،‭ ‬حيث‭ ‬ينظر‭ ‬للرجل‭ ‬الأسود‭ ‬كـ”بعبع”‭ ‬في‭ ‬“أميركا‭ ‬البيضاء”‭.‬

ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬يحدث‭ ‬بصورة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬والدول‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬دول‭ ‬عريقة‭ ‬وتعد‭ ‬مضربًا‭ ‬للأمثال‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬يتحدثون‭ ‬عنها‭ ‬ويعتبرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬حماة‭ ‬لها‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬نصوص‭ ‬تذكر‭ ‬وقوانين‭ ‬تكتب،‭ ‬ولكن‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تتجسد‭ ‬في‭ ‬أخلاقيات‭ ‬وسلوكيات‭ ‬البشر‭ ‬وأبناء‭ ‬المجتمع‭ ‬كافة‭.‬