وَخْـزَةُ حُب

تَحرّك أو تَحجّر!

| د. زهرة حرم

رأينا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬أنشطة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬التجارية‭ ‬وغيرها،‭ ‬قد‭ ‬توقفت‭ ‬أو‭ ‬تعطّل‭ ‬عملها‭ ‬فترةً‭ ‬ليست‭ ‬قصيرة‭ ‬أو‭ ‬هيّنة‭ ‬في‭ ‬العُرف‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬الاحترازي،‭ ‬وما‭ ‬نجم‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬كساد‭ ‬بعض‭ ‬الأنشطة،‭ ‬وخسارة‭ ‬أخرى،‭ ‬ويستوي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأفراد‭ ‬أصحاب‭ ‬المشاريع‭ ‬الصغيرة؛‭ ‬إذ‭ ‬نزل‭ ‬عليهم‭ ‬الوباء‭ ‬بالوبال،‭ ‬وتضرر‭ ‬منهم‭ ‬مَن‭ ‬تضرر،‭ ‬ولولا‭ ‬الدعم‭ ‬الحكومي‭ ‬لرأيتهم‭ ‬ينفضون‭ ‬الأكفّ،‭ ‬ويقلّبونها؛‭ ‬حسرة‭ ‬وخشية‭.‬

في‭ ‬الأثناء،‭ ‬وجدنا‭ ‬الغالبية‭ ‬من‭ ‬موظفي‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬السكينة‭ ‬والهدوء،‭ ‬يعيشون‭ ‬الطمأنينة،‭ ‬لولا‭ ‬الشائعات‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬الأخبار‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مسامعهم‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى،‭ ‬حول‭ ‬فرض‭ ‬ضرائب‭ ‬أو‭ ‬تخفيض‭ ‬رواتب‭ ‬وأجور،‭ ‬ولطالما‭ ‬كان‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الحكومية‭ ‬العامة،‭ ‬الخيار‭ ‬المفضل‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرين؛‭ ‬إذ‭ ‬يرونه‭ ‬أكثر‭ ‬استقرارا،‭ ‬وأمنًا؛‭ ‬فنسبة‭ ‬المخاطر‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬صفرًا،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬عقلية‭ ‬مجتمعية‭ ‬تهاب‭ ‬المجازفة،‭ ‬أو‭ ‬المخاطرة؛‭ ‬فإن‭ ‬نسبة‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يمتهنون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مهنة‭ ‬أو‭ ‬نشاط؛‭ ‬منخفضة،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قارنّاها‭ ‬بنسبة‭ ‬ذوي‭ ‬الوظيفة‭ ‬الواحدة،‭ ‬من‭ ‬الآمنين‭ ‬في‭ ‬سِرب‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭.‬

والحقيقة،‭ ‬أن‭ ‬الظرف‭ (‬الكوروني‭) ‬الذي‭ ‬حلّ‭ ‬فجأة،‭ ‬وقلب‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الموازين؛‭ ‬أثبت‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كنّا‭ ‬نراه‭ ‬مستقبلا‭ ‬بعيدا‭ ‬أصبح‭ ‬قاب‭ ‬قوسين‭ ‬أو‭ ‬أدنى‭ ‬منّا،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬استبعدنا‭ ‬وقته‭ ‬حول‭ ‬أفول‭ ‬وظائف‭ ‬أو‭ ‬انقراضها،‭ ‬واستحداث‭ ‬أخرى؛‭ ‬بدأت‭ ‬بوادره‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا‭! ‬جلسنا‭ ‬في‭ ‬منازلنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقدمات‭ ‬طويلة؛‭ ‬لنمارس‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬الدراسة‭ ‬عن‭ ‬بعد؛‭ ‬وليحل‭ ‬الفرد‭ ‬الواحد‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الوظيفة‭ ‬التعليمية‭ ‬مثلا‭ ‬–‭ ‬محل‭ ‬جحافل‭ ‬من‭ ‬المدرسين؛‭ ‬ليصل‭ ‬درسه‭ ‬إلى‭ ‬آلاف‭ ‬التلاميذ،‭ ‬متجاوزًا‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭! ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬بداية‭ ‬تجريبية،‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬التخطيط‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬العربية،‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬الوظائف‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬وشيك،‭ ‬ووشيك‭ ‬جدًا،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يُسمي‭ ‬نفسه‭ ‬متقدمًا‭ (‬يُدندن‭) ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬وإحلال‭ ‬علوم‭ ‬المستقبل،‭ ‬محل‭ ‬الحالية‭ ‬التقليدية؛‭ ‬ما‭ ‬سيجعل‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الشهادات‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬عديمة‭ ‬الجدوى،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تقترن‭ ‬بمهارات‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬بها‭. ‬

الخلاصة‭: ‬هذا‭ ‬زمن‭ ‬متحرك‭ ‬نحو‭ ‬الأمام،‭ ‬بصورة‭ ‬مفرطة‭ ‬في‭ ‬السرعة،‭ ‬والمستقبل‭ ‬مجهول،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬آمن‭ ‬أو‭ ‬مضمون‭ - ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬–‭ ‬لذا‭ ‬يجب‭ (‬جدًا‭) ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للفرد‭ ‬أو‭ ‬المؤسسة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نشاط،‭ ‬أو‭ ‬تجارة،‭ ‬أو‭ ‬وظيفة،‭ ‬أو‭ ‬مهنة،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬اللحاق‭ ‬بالمهارات‭ ‬المستجدة،‭ ‬وتعلمها‭ ‬أولا‭ ‬بأول‭. ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬هي‭ ‬تأخر‭ ‬ورجعية‭ ‬وابتعاد‭ ‬شديد‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الحاضر‭ ‬المتربع‭ ‬–‭ ‬بشدة‭ - ‬حُضن‭ ‬المستقبل‭. ‬هذا‭ ‬المستقبل‭ ‬يجري‭ ‬باتجاهنا‭ ‬بسرعة‭ ‬قصوى،‭ ‬وكأنه‭ ‬ينوي‭ ‬اقتلاعنا؛‭ ‬ليجرنا‭ ‬نحوه،‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬نتحرك‭ ‬معه،‭ ‬أو‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬الأطلال،‭ ‬ونتحجّر‭.‬