عندما يصرخ العالم... اسمعوا يا بشر

| د.حورية الديري

إن‭ ‬البلاء‭ ‬عندما‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬رب‭ ‬العباد‭ ‬خيره‭ ‬وشره،‭ ‬يعد‭ ‬أكبر‭ ‬اختبار‭ ‬لقدرة‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬الصبر‭ ‬والرضا،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬حكمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدركها‭ ‬المسلم‭ ‬كي‭ ‬يتقن‭ ‬فن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬البلاء‭ ‬وتجاوز‭ ‬ما‭ ‬يعترضه‭ ‬من‭ ‬مشقات‭ ‬الحياة،‭ ‬ففي‭ ‬البلاء‭ ‬اختبار‭ ‬في‭ ‬الشدة‭ ‬والرخاء،‭ ‬السقم‭ ‬والمرض،‭ ‬الفقر‭ ‬والغنى،‭ ‬لينظر‭ ‬الله‭ ‬شكر‭ ‬البشر‭ ‬فيما‭ ‬يحبون‭ ‬وصبرهم‭ ‬فيما‭ ‬يكرهون‭. ‬جميعنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬معرضون‭ ‬للبلاء‭ ‬فيما‭ ‬نحب‭ ‬ونكره،‭ ‬والأمر‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نشكر‭ ‬الله‭ ‬ونحمده‭ ‬ونعيش‭ ‬الامتحان‭ ‬صابرين‭ ‬فيما‭ ‬ابتلينا،‭ ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬أطلقنا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬قدراتنا‭ ‬الكامنة؟‭ ‬وفي‭ ‬السؤال‭ ‬هنا‭ ‬منطلق‭ ‬علمي‭ ‬يستحق‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬نفسك‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬والتطبيق‭ ‬الفعلي‭ ‬لما‭ ‬نقول‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬الصبر‭ ‬والتحمل،‭ ‬تصوروا‭ ‬معي‭ ‬لحظة‭ ‬تعارك‭ ‬الأرض‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬وصدحات‭ ‬أصواتها‭ ‬بالصراخ،‭ ‬معلنة‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬دورة‭ ‬حياتها‭ ‬وأولوياتها،‭ ‬لا‭ ‬عيب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أنت‭ ‬وأنا‭ ‬مصدر‭ ‬تلك‭ ‬الصرخة‭ ‬لأنها‭ ‬الانطلاقة‭ ‬الصحية‭ ‬للهدوء‭ ‬والتأمل‭ ‬وإعادة‭ ‬التفكير‭ ‬والتركيز‭ ‬فيما‭ ‬اختاره‭ ‬الله‭ ‬لنا‭ ‬وفيما‭ ‬سيكون،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬كلام‭ ‬جميل‭ ‬من‭ ‬أبيات‭ ‬شعرية‭ ‬تقول‭: ‬ما‭ ‬بين‭ ‬صخر‭ ‬وصخر‭ ‬ينبت‭ ‬الزهر،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬عسر‭ ‬وعسر‭ ‬ينبت‭ ‬اليسر،‭ ‬فسبحان‭ ‬من‭ ‬بيده‭ ‬الملك‭ ‬والأمر،‭ ‬وأنا‭ ‬أكمل‭ ‬وأقول‭: ‬ما‭ ‬بين‭ ‬حال‭ ‬وحال‭.. ‬أسرار‭ ‬وأحوال،‭ ‬إن‭ ‬بانت‭ ‬في‭ ‬الحال‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬للحال‭ ‬محال‭.‬

مقصدي‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬تقبلوا‭ ‬دعوتي‭ ‬لكم‭ ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬المساحات‭ ‬السلبية‭ ‬حالاً،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تجمع‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬وأفكار‭ ‬وأماكن،‭ ‬والتوقف‭ ‬عن‭ ‬الشكوى‭ ‬والتذمر،‭ ‬والبدء‭ ‬بتقدير‭ ‬ذواتكم‭ ‬كثيرًا‭ ‬ونشر‭ ‬المحبة‭ ‬أينما‭ ‬تكونون،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تديروا‭ ‬للماضي‭ ‬وجهة‭ ‬إلا‭ ‬بما‭ ‬يحمل‭ ‬من‭ ‬ذكريات‭ ‬ودروس،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬تجربة‭ ‬سعادة‭ ‬تستحق‭ ‬الامتنان‭ ‬والشكر‭ ‬والتقدير،‭ ‬فلنتذكر‭ ‬معًا‭ ‬أننا‭ ‬وُجدنا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬لغاية،‭ ‬وهي‭ ‬غاية‭ ‬عظيمة‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬وفق‭ ‬مبدأ‭ ‬ذي‭ ‬قوة‭ ‬هائلة‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬القدرات‭ ‬ما‭ ‬يقتلع‭ ‬معه‭ ‬جميع‭ ‬الأشواك‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬حياتنا،‭ ‬كيف؟‭ ‬ابحث‭ ‬عن‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لا‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬مراجعة‭ ‬أفكارك‭ ‬واستبعاد‭ ‬السيئ‭ ‬منها‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬ترتيب‭ ‬أولوياتك،‭ ‬والتي‭ ‬تجعلك‭ ‬متصالحًا‭ ‬مع‭ ‬ذاتك‭ ‬غير‭ ‬مكترث‭ ‬لانفعالاتك‭ ‬السالبة،‭ ‬واقبل‭ ‬بالدليل‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الأحكام‭ ‬المطلقة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬موقف‭ ‬وتجربة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬ستنعم‭ ‬برقي‭ ‬ذاتك،‭ ‬ولن‭ ‬ترتضي‭ ‬بتقلبات‭ ‬الأحوال‭ ‬بأن‭ ‬تستقر‭ ‬بداخلك،‭ ‬إلا‭ ‬بما‭ ‬ستختاره‭ ‬منها،‭ ‬لأنك‭ ‬ستعتاد‭ ‬على‭ ‬تنشيط‭ ‬التفكير‭ ‬لديك‭ ‬بصورة‭ ‬إيجابية،‭ ‬وسوف‭ ‬تستدعي‭ ‬قوتك‭ ‬الكامنة‭ ‬بكل‭ ‬حماس‭. ‬إن‭ ‬اتخذت‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬سترتفع‭ ‬لديك‭ ‬الأنظمة‭ ‬المناعية‭ ‬للتصدي‭ ‬لأي‭ ‬مرض‭ ‬أو‭ ‬شدة،‭ ‬وستزيد‭ ‬قدرتك‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬وعلاقاتك،‭ ‬ستكون‭ ‬متصالحًا‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬ستسمعه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصرخ‭.‬