جائحة كورونا وعالمنا الإنساني

| عبدعلي الغسرة

جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬تمثل‭ ‬مادة‭ ‬مليئة‭ ‬بالدروس‭ ‬والعِبر‭ ‬للدول‭ ‬وشعوبها،‭ ‬لحاضرها‭ ‬ومستقبلها،‭ ‬فهو‭ ‬فيروس‭ ‬شديد‭ ‬وقف‭ ‬وحده‭ ‬مُعريًا‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬كاشفًا‭ ‬ضعفها‭ ‬ومُقللا‭ ‬من‭ ‬قدراتها،‭ ‬واضعًا‭ ‬العالم‭ ‬وشعوبه‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬كبيرة‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬مستويات‭ ‬المجتمع،‭ ‬فهذا‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬يستغيث‭ ‬محاولا‭ ‬النجاة‭ ‬منه‭ ‬راغبًا‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬لعافيته‭.‬

لقد‭ ‬استطاع‭ ‬الكوفيد‭ ‬أن‭ ‬يُعري‭ ‬عالمنا‭ ‬الإنساني،‭ ‬ويثبت‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬مازال‭ ‬ضعيفًا،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬مادية‭ ‬وطبيعية‭ ‬وبشرية‭ ‬وعِلمية‭ ‬وقفت‭ ‬عاجزة‭ ‬أمامه،‭ ‬وأثبت‭ ‬هذا‭ ‬الوجع‭ ‬أن‭ ‬التضامن‭ ‬والتعاضد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬الضامن‭ ‬للتعافي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تصحيح‭ ‬التصدع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وعدم‭ ‬المساواة‭ ‬والتعنت‭ ‬البيئي‭ ‬والجشع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وهي‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬نتاج‭ ‬علاقات‭ ‬غير‭ ‬سوية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬الكثير‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

يكشف‭ ‬الكوفيد‭ ‬حالات‭ ‬التفاوت‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والفقر‭ ‬والعنصرية‭ ‬والتمييز‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬صحيحة‭ ‬وصحية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لكانت‭ ‬ظروف‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬متساوية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ومتعادلة‭ ‬في‭ ‬مؤشرات‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتجارة‭ ‬وفي‭ ‬موازين‭ ‬مدفوعاتها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تصرفات‭ ‬ومعتقدات‭ ‬وجبروت‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬الغنية‭ ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬مُدمرة‭ ‬لحياة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬الفقيرة‭ ‬التي‭ ‬أهملت‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬ظروفها‭ ‬ومشكلاتها‭ ‬وغرقت‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬غير‭ ‬مخططة‭ ‬ومسار‭ ‬ثقافي‭ ‬متعثر‭ ‬الخطوات‭.‬

إن‭ ‬تداعيات‭ ‬الكوفيد‭ ‬تؤكد‭ ‬خطره‭ ‬وقد‭ ‬يأتي‭ ‬لاحقًا‭ ‬الأخطر‭ ‬منه،‭ ‬إن‭ ‬الكوفيد‭ ‬يدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬ليوقظ‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬سباته‭ ‬وينقذه‭ ‬من‭ ‬دماره‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والبيئي‭ ‬والمناخي،‭ ‬فتصرفات‭ ‬الإنسان‭ ‬الخاطئة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬المناخ‭ ‬وتدمير‭ ‬الغابات‭ ‬وذوبان‭ ‬القمم‭ ‬الجليدية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬الأنواع‭ ‬والأراضي‭ ‬والثقافات‭ ‬واللغات‭ ‬الأصلية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬الفقر‭ ‬والمجاعات‭ ‬والأوبئة‭ ‬والصراعات‭ ‬لأجل‭ ‬البقاء،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعلنا‭ ‬أكثر‭ ‬ضعفًا‭ ‬وألمًا‭.‬

إن‭ ‬العالم‭ ‬الإنساني‭ ‬يحتاج‭ ‬الآن‭ ‬للاتحاد‭ ‬والتعاون‭ ‬وتقديم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬للبشر‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬واقتصاديًا،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يملكون‭ ‬الثروات‭ ‬والامتيازات‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬ونحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬اقتصادي‭ ‬واجتماعي‭ ‬لبناء‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬مليء‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الإنسانية‭.‬