صوت العقل

| د. عبدالله الحواج

مرت‭ ‬علينا‭ ‬عطلة‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬المبارك‭ ‬ونحن‭ ‬خلف‭ ‬الأبواب‭ ‬نجاور‭ ‬الفزع‭ ‬من‭ ‬كورونا،‭ ‬لم‭ ‬نذهب‭ ‬للبساتين‭ ‬ولا‭ ‬الحدائق‭ ‬الغناء،‭ ‬ولم‭ ‬نلتقِ‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬مع‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتنا‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬العادة،‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬لم‭ ‬نرحب‭ ‬بالضيوف‭ ‬الطارئين‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬عاداتنا‭ ‬وتقاليدنا،‭ ‬كنا‭ ‬محترزين‭ ‬وما‭ ‬زلنا،‭ ‬وكنا‭ ‬نمارس‭ ‬بروتوكولات‭ ‬أحكام‭ ‬“كوفيد‭ ‬19”،‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون،‭ ‬لكنني‭ ‬شخصيًا‭ ‬مارست‭ ‬هوايتي‭ ‬المفضلة‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬والتفكر،‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والتأمل،‭ ‬في‭ ‬الاستكشاف‭ ‬والتقصي،‭ ‬لعل‭ ‬وعسى‭.‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬اهتديت‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬قديمة‭ ‬بثوب‭ ‬ناصع‭ ‬النضارة،‭ ‬وارتضيت‭ ‬بما‭ ‬أملاه‭ ‬عليّ‭ ‬اجتهادي‭ ‬المتواضع‭ ‬في‭ ‬اجترار‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬“يُحكى‭ ‬أن”‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الرئيس،‭ ‬كان‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬يوجهنا‭ ‬كأكاديميين‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬نقل‭ ‬المعارف‭ ‬والحِكم‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬سبقتنا‭ ‬في‭ ‬التقدم‭ ‬وإرساء‭ ‬قيم‭ ‬الحضارة‭ ‬الحديثة،‭ ‬وكان‭ ‬سموه‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬شخصيًا‭: ‬لابد‭ ‬من‭ ‬استنساخ‭ ‬الضرورات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبيح‭ ‬المحظورات‭ ‬وأن‭ ‬تبدأوا‭ ‬كأكاديميين‭ ‬في‭ ‬توطين‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وتأهيل‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬كي‭ ‬يستلهم‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر‭ ‬ممن‭ ‬سبقونا‭ ‬في‭ ‬مضامير‭ ‬المعرفة‭ ‬والإبداع‭ ‬المؤهل‭ ‬لخدمة‭ ‬البشرية‭ ‬وإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬ناجعة‭ ‬لقضايا‭ ‬الإنسان‭ ‬المعقدة‭.‬

وكان‭ ‬سموه‭ ‬يقولها‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬المهيب‭: ‬كونوا‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬المسئولية‭ ‬الوطنية،‭ ‬ولا‭ ‬تتأخروا‭ ‬في‭ ‬الذود‭ ‬عن‭ ‬وحدتكم‭ ‬وتماسككم،‭ ‬عن‭ ‬تقاليدكم‭ ‬وتعاليم‭ ‬آبائكم‭ ‬وأجدادكم،‭ ‬تشبثوا‭ ‬بتاريخكم‭ ‬العتيد،‭ ‬وأعيدوا‭ ‬صياغة‭ ‬مستقبلكم‭ ‬بالكيفية‭ ‬التي‭ ‬تمليها‭ ‬عليكم‭ ‬ضمائركم،‭ ‬لا‭ ‬تسمحوا‭ ‬لكائن‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬يشق‭ ‬الصف،‭ ‬وأن‭ ‬يعبر‭ ‬الحدود،‭ ‬وأن‭ ‬يطمس‭ ‬الهوية،‭ ‬فأنتم‭ ‬على‭ ‬القدر‭ ‬الكافي‭ ‬من‭ ‬المسئولية،‭ ‬وعلى‭ ‬المسافة‭ ‬الواقية‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬قضايا‭ ‬العصر،‭ ‬وأنتم‭ ‬جنود‭ ‬الوطن‭ ‬الأوفياء‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬المجتمع‭ ‬بأسره‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬إلى‭ ‬التقدم،‭ ‬ومن‭ ‬الانكفاء‭ ‬إلى‭ ‬الانفتاح،‭ ‬ومن‭ ‬التشرذم‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة‭.‬

سمعت‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬كثيرًا‭ ‬وأعدت‭ ‬ترتيبه‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬وأنا‭ ‬أتابع‭ ‬من‭ ‬ثقب‭ ‬الباب‭ ‬الموصد‭ ‬كل‭ ‬أحداث‭ ‬الساعة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كيف‭ ‬تحاول‭ ‬الدنيا‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬كورونا،‭ ‬وكيف‭ ‬ينفتح‭ ‬الكون‭ ‬والجائحة‭ ‬مازالت‭ ‬ترعى‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ثم‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬بث‭ ‬إجراءات‭ ‬الوقاية،‭ ‬والتزاحم‭ ‬المتفشي‭ ‬على‭ ‬شدته‭ ‬وجبروته‭ ‬يحاول‭ ‬الانطلاق‭ ‬من‭ ‬القوقعة،‭ ‬ويسعى‭ ‬جاهدًا‭ ‬إلى‭ ‬الانفلات،‭ ‬ثم‭ ‬أجبت‭: ‬لعلها‭ ‬بروتوكولات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا،‭ ‬كيف‭ ‬نعيش‭ ‬مع‭ ‬الفيروس،‭ ‬وكيف‭ ‬نصادقه،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يرفض‭ ‬هذه‭ ‬الصداقة،‭ ‬كيف‭ ‬نروضه،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للترويض،‭ ‬وكيف‭ ‬نقي‭ ‬أنفسنا‭ ‬شر‭ ‬أعماله‭ ‬وأفعاله‭ ‬ومفاجآته،‭ ‬وهو‭ ‬شديد‭ ‬القسوة‭ ‬عند‭ ‬البطش‭ ‬والفتك‭ ‬ببني‭ ‬البشر؟

أخيرًا‭ ‬اهتديت‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاحتكام‭ ‬للعلم،‭ ‬للبحث،‭ ‬للاستعانة‭ ‬بفنون‭ ‬المعارف‭ ‬التي‭ ‬تقي‭ ‬الشرور،‭ ‬وتنأى‭ ‬بالناس‭ ‬عن‭ ‬الجائحة‭ ‬وتداعياتها،‭ ‬عن‭ ‬الوباء‭ ‬ومتلازماته،‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬الأثر‭ ‬الجامح‭ ‬وكيفية‭ ‬كبح‭ ‬جماحه،‭ ‬ولجم‭ ‬تهوره‭.‬

وبالفعل‭ ‬توصلت‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬حتمية‭ ‬جديدة‭ ‬مفادها‭ ‬ذلك‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬مخطوطات‭ ‬الوقاية،‭ ‬وحفريات‭ ‬التفكير‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالحصانة‭ ‬العلمية‭ ‬مثلما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون،‭ ‬وبالحصافة‭ ‬الثقافية‭ ‬مثلما‭ ‬تعلمناها‭ ‬من‭ ‬قادتنا‭ ‬منذ‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد،‭ ‬هنا‭ ‬تكمن‭ ‬الخلطة‭ ‬السحرية‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬الأصالة‭ ‬زائدًا‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬المعاصرة،‭ ‬تساوي‭ ‬وقاية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شر‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬