“إدمان!”

| هدى حرم

متى‭ ‬ستأتي‭ ‬اللحظةُ‭ ‬التي‭ ‬يتوقفونَ‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬أمْ‭ ‬أنها‭ ‬لنْ‭ ‬تأتي؛‭ ‬فحتى‭ ‬متى‭ ‬وإلى‭ ‬متى‭ ‬تطحنهم‭ ‬دوامةُ‭ ‬العملِ‭ ‬الدؤوب؟‭ ‬هذه‭ ‬الشريحةُ‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬لا‭ ‬تعاملُ‭ ‬نفسها‭ ‬كما‭ ‬يجب،‭ ‬ولا‭ ‬تقدِّرُ‭ ‬قيمتها‭ ‬بحق،‭ ‬هُمْ‭ ‬صِنفٌ‭ ‬من‭ ‬الخلق‭ ‬ظنوا‭ ‬أنَّ‭ ‬اللهَ‭ ‬خلقهم‭ ‬ليعملوا‭ ‬حتى‭ ‬الموت؛‭ ‬فتراهُم‭ ‬ينخرطونَ‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬منذُ‭ ‬الصغر‭ ‬ويعملونَ‭ ‬بلا‭ ‬توقفْ،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أيامِ‭ ‬إجازاتِهم‭ ‬وخلالَ‭ ‬الأعيادِ‭ ‬والإجازاتِ‭ ‬السنوية،‭ ‬غير‭ ‬عابئينَ‭ ‬بالحجرِ‭ ‬الصحي‭ ‬أو‭ ‬سِواه،‭ ‬وينسونَ‭ ‬في‭ ‬خِضَّمِ‭ ‬ذلك‭ ‬أُسرَهم‭ ‬وأحبتَهم؛‭ ‬فيُصبِحونَ‭ ‬ضحايا‭ ‬إهمالهِم‭ ‬وانشغالِهم‭. ‬حُجتُهم‭ ‬الحاضرة‭ ‬“نحنُ‭ ‬مشغولون”؛‭ ‬فمتى‭ ‬لا‭ ‬يكونونَ‭ ‬كذلك؟‭ ‬متى‭ ‬سيعيشونَ‭ ‬لحظاتِ‭ ‬الحياةِ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتكرر‭ ‬مع‭ ‬المقربينَ‭ ‬منهم؟‭!‬

هؤلاء‭ ‬لنْ‭ ‬يستطيعوا‭ ‬إيقافَ‭ ‬الزمنِ‭ ‬حين‭ ‬يُدركون‭ ‬فجأة‭ ‬أن‭ ‬إدمانهم‭ ‬لمْ‭ ‬يُلْحِق‭ ‬الضررَ‭ ‬بهم‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لَحِقَ‭ ‬بذويهم‭ ‬كذلك،‭ ‬وأنَّهم‭ ‬تأخَّروا‭ ‬عن‭ ‬الانخراطِ‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬ولنْ‭ ‬يكونَ‭ ‬بمقدورِهم‭ ‬أنْ‭ ‬يمتلكوا‭ ‬قلوبَ‭ ‬ذويهم‭ ‬وأحبتِهم‭ ‬بعد‭ ‬فواتِ‭ ‬الأوان،‭ ‬بعد‭ ‬برودِ‭ ‬المشاعرِ‭ ‬التي‭ ‬جمَّدتها‭ ‬سنواتُ‭ ‬عملِهم‭ ‬العقيم‭. ‬أغلبُهم‭ ‬لا‭ ‬يجنونَ‭ ‬المالَ‭ ‬من‭ ‬الإدمانِ‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يُصرّون‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭... ‬هؤلاء‭ ‬يظنونَ‭ ‬أنَّ‭ ‬القيمةَ‭ ‬كلَها‭ ‬فيما‭ ‬يُنجزون‭ ‬ويستهترونَ‭ ‬بقيمِ‭ ‬الآخرينَ‭ ‬ومواهبهم،‭ ‬ويزعمونَ‭ ‬أنَّهم‭ ‬على‭ ‬صوابٍ‭ ‬ومواهب‭ ‬الآخرينَ‭ ‬واهتماماتهم‭ ‬نوعٌ‭ ‬من‭ ‬الهدرِ‭ ‬والفراغ،‭ ‬فهلَّا‭ ‬نظروا‭ ‬للآخرينَ‭ ‬خارجَ‭ ‬نطاقِ‭ ‬العملِ‭ ‬والكدح‭ ‬واحترموا‭ ‬مواهبَهم‭ ‬واقتفوا‭ ‬آثارَهم‭ ‬وأعطَوا‭ ‬أنفسَهم‭ ‬متنفساً‭ ‬يحيونَ‭ ‬فيه‭ ‬كما‭ ‬يحيا‭ ‬الآخرون؟‭! ‬لو‭ ‬أنَّهم‭ ‬يأخذونَ‭ ‬قسطاً‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬ليُروِّحوا‭ ‬عن‭ ‬أنفسِهم،‭ ‬ليُحسّوا‭ ‬بمتعِ‭ ‬الحياةِ‭ ‬التي‭ ‬حرموا‭ ‬أنفسَهم‭ ‬منها‭ ‬قسراً‭.‬

قد‭ ‬يصابُ‭ ‬هؤلاء‭ ‬بالمرضِ‭ ‬إنْ‭ ‬أقعدَهم‭ ‬سببٌ‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬وقد‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬شيءٍ‭ ‬ما‭ ‬ليفعلوه‭ ‬لأنهم‭ ‬لمْ‭ ‬يعتادوا‭ ‬الراحة،‭ ‬وسيجبرونَ‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬وإنْ‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يفعلونهُ‭ ‬بِلا‭ ‬أهميةٍ‭ ‬أو‭ ‬داع،‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يتوقفونَ‭ ‬عن‭ ‬العملِ‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬يكونونَ‭ ‬مع‭ ‬أُسرِهم‭ ‬على‭ ‬مائدةِ‭ ‬الطعام؛‭ ‬فنَجدهم‭ ‬يُنهونَ‭ ‬اتصالاتِهم‭ ‬وأعمالهم‭ ‬العالقةَ‭ ‬التي‭ ‬لمْ‭ ‬يتسنَّ‭ ‬لهم‭ ‬إنهاؤها‭ ‬في‭ ‬مقارِ‭ ‬أعمالِهم،‭ ‬ويزعجونَ‭ ‬منْ‭ ‬حولَهم‭ ‬بضجيجِهم،‭ ‬ولا‭ ‬يُعيرونَهم‭ ‬أدنى‭ ‬انتباه،‭ ‬لكأنَّهم‭ ‬وحدَهم‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬السيارة،‭ ‬أو‭ ‬أنَّهم‭ (‬همْ‭) ‬لا‭ ‬وجودَ‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬حياةِ‭ ‬من‭ ‬يقولونَ‭ ‬إنهم‭ ‬يعملونَ‭ ‬من‭ ‬أجلِهم‭!.‬