التنوع الثقافي حاجة إنسانية

| عبدعلي الغسرة

إن‭ ‬ما‭ ‬يُحقق‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتفاهم‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬هو‭ ‬التبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬والحوار‭ ‬المنصف‭ ‬بينها،‭ ‬والقائم‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬الإنساني‭ ‬والتساوي‭ ‬في‭ ‬الكرامة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تشجيع‭ ‬التعددية‭ ‬الثقافية‭ ‬وإزالة‭ ‬التطرف‭ ‬والتعصب‭ ‬وغرس‭ ‬مبادئ‭ ‬العدالة،‭ ‬وللثقافة‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬النزاعات‭ ‬والصراعات،‭ ‬والثقافة‭ ‬لغة‭ ‬واحدة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تعددت‭ ‬الثقافات،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬لجميع‭ ‬اللغات‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد‭ ‬حيث‭ ‬يجد‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭ ‬إنسانيتهم‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭.‬

والتنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬يرتبط‭ ‬بالحوار،‭ ‬والحوار‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬سواء‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬المجتمعات،‭ ‬فالحوار‭ ‬يرفع‭ ‬الوعي‭ ‬الإنساني‭ ‬ويبني‭ ‬قاعدة‭ ‬صلبة‭ ‬للتبادل‭ ‬والتفاهم‭ ‬بين‭ ‬الجميع،‭ ‬لذا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬كمؤشر‭ ‬للتنمية‭ ‬وبناء‭ ‬مستقبل‭ ‬ناجح‭ ‬لتهيئة‭ ‬حياة‭ ‬فكرية‭ ‬وعاطفية‭ ‬ومعنوية‭ ‬أكثر‭ ‬شمولا‭ ‬واستدامةً،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬دمج‭ ‬مبادئ‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬وقيم‭ ‬التعددية‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬مُجمل‭ ‬السياسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عبر‭ ‬الشراكة‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬وبما‭ ‬يُحافظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭.‬

وذكرت‭ ‬“منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة”‭ ‬أن‭ ‬“كوفيد‭ ‬19”‭ ‬والعزل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬ساهم‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬تحول‭ ‬بلايين‭ ‬الأشخاص‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬كمصدر‭ ‬للرفاه‭ ‬والتواصل‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الزيارات‭ ‬الافتراضية‭ ‬إلى‭ ‬المتاحف‭ ‬وصالات‭ ‬العرض‭ ‬السينمائية‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬لمختلف‭ ‬الفعاليات‭ ‬والأنشطة‭ ‬قوة‭ ‬محركة‭ ‬للتنمية‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المستدامة‭.‬

إن‭ ‬وحدة‭ ‬المجتمع‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬إغفال‭ ‬الثقافات‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومع‭ ‬اختلاف‭ ‬اللغات‭ ‬ومفرداتها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جامع‭ ‬بينها،‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الخصوصية‭ ‬القومية‭ ‬والدينية‭ ‬لكل‭ ‬هوية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬اجتثاث‭ ‬ممارسات‭ ‬الكراهية‭ ‬والتعصب‭ ‬وسيسهم‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الثقافات‭ ‬والتيارات‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تهميش‭ ‬بما‭ ‬يُحقق‭ ‬الأمن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاستقرار‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭.‬

إن‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬توحد‭ ‬صفها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬واحدة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الكوفيد‭ ‬بالتكاتف‭ ‬ماديًا‭ ‬وعِلميًا‭ ‬لإيجاد‭ ‬علاج‭ ‬له،‭ ‬ليس‭ ‬لدولة‭ ‬معينة‭ ‬بل‭ ‬لجميع‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬وهذا‭ ‬التعاضد‭ ‬والتكاتف‭ ‬الدولي‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬للحوار‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الثقافات‭ ‬واحترام‭ ‬آراء‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الكبيرة‭ ‬والصغيرة‭ ‬والفقيرة‭ ‬والغنية،‭ ‬فالكوفيد‭ ‬أعلن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وشعوبها‭.‬