رؤيا مغايرة

عيد هذا العام بدون ملامح

| فاتن حمزة

منذ‭ ‬أن‭ ‬وعيت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬لم‭ ‬أشعر‭ ‬بحزن‭ ‬في‭ ‬العيد‭ ‬كحزني‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬فما‭ ‬التفت‭ ‬يميناً‭ ‬أو‭ ‬شمالاً‭ ‬إلا‭ ‬ووجدت‭ ‬الأحزان‭ ‬دوني،‭ ‬افتقدت‭ ‬تكبيرات‭ ‬العيد‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصدح‭ ‬بها‭ ‬حناجر‭ ‬المصلين‭ ‬منذ‭ ‬خيوط‭ ‬الفجر‭ ‬الأولى،‭ ‬افتقدت‭ ‬صوت‭ ‬الأطفال‭ ‬وهم‭ ‬يجوبون‭ ‬الأحياء،‭ ‬افتقدت‭ ‬صوت‭ ‬طرقات‭ ‬الباب‭ ‬لزائر‭ ‬جاء‭ ‬للتهنئة،‭ ‬بدوت‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬الخروج‭ ‬لزيارة‭ ‬الأهل‭ ‬وتقبيل‭ ‬رأس‭ ‬أمي،‭ ‬أما‭ ‬أبي‭ ‬ورحيله‭ ‬فهي‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬وغصة،‭ ‬فهذا‭ ‬أول‭ ‬عيد‭ ‬لا‭ ‬أراه‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬أسمع‭ ‬صوته‭.‬

يا‭ ‬الله‭ ‬كأني‭ ‬في‭ ‬زمان‭ ‬غير‭ ‬هذا‭ ‬الزمان،‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬غير‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬ماذا‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم؟‭ ‬الخوف‭ ‬يحيط‭ ‬بنا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬ما‭ ‬أتعس‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬التي‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تساوي‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬جناح‭ ‬بعوضة‭ ‬ما‭ ‬سقى‭ ‬الله‭ ‬فيها‭ ‬الكافر‭ ‬شربة‭ ‬ماء‭. ‬لكنها‭ ‬سنة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬خلقه،‭ ‬وهو‭ ‬القائل‭: (‬وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ‭ ‬بِشَيْءٍ‭ ‬مِّنَ‭ ‬الْخَوفْ‭ ‬وَالْجُوعِ‭ ‬وَنَقْصٍ‭ ‬مِّنَ‭ ‬الأَمَوَالِ‭ ‬وَالأنفُسِ‭ ‬وَالثَّمَرَاتِ‭ ‬وَبَشِّرِ‭ ‬الصَّابِرِينَ‭).‬

كم‭ ‬هو‭ ‬محزن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬العيد‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬أرواح‭ ‬عزيزة‭ ‬غادرتنا،‭ ‬أبي‭ ‬لقد‭ ‬غابت‭ ‬شمسك‭ ‬رغم‭ ‬حاجتنا‭ ‬إلى‭ ‬دفئك‭ ‬وحنانك،‭ ‬فعلا‭ ‬لا‭ ‬نشعر‭ ‬بمرارة‭ ‬فقدان‭ ‬الأحبة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬غيابهم،‭ ‬سنبقى‭ ‬نسترجع‭ ‬أحلى‭ ‬اللحظات‭ ‬وأجمل‭ ‬الذكريات‭ ‬التي‭ ‬جمعتنا‭ ‬بك،‭ ‬أما‭ ‬العيد‭ ‬الذي‭ ‬أعرفه‭ ‬لن‭ ‬يعود،‭ ‬سيصبح‭ ‬عيدي‭ ‬له‭ ‬طعم‭ ‬ونكهة‭ ‬مختلفة‭ ‬فرحة‭ ‬غير‭ ‬مكتملة‭ ‬تنقصها‭ ‬قبلاتك‭ ‬وكلماتك‭ ‬ورائحة‭ ‬عطرك،‭ ‬تنقصها‭ ‬أنت‭ ‬بروحك‭ ‬وكل‭ ‬تفاصيلك‭.‬

ربي‭ ‬نسألك‭ ‬الصبر‭ ‬على‭ ‬فقدان‭ ‬والدي،‭ ‬كما‭ ‬نسألك‭ ‬أن‭ ‬تزول‭ ‬عنا‭ ‬الغمة،‭ ‬كم‭ ‬كنت‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬أهنئ‭ ‬أحبتي‭ ‬وأتيمن‭ ‬بيمينهم‭ ‬مصافحة‭ ‬وأسعد‭ ‬بوجوههم‭ ‬المبتهجة،‭ ‬كم‭ ‬أتشوق‭ ‬أن‭ ‬أستمد‭ ‬قوتي‭ ‬وسعادتي‭ ‬بهم‭ ‬أقبلهم‭ ‬وأحضنهم‭ ‬بحرارة،‭ ‬ترك‭ ‬أبي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬فراغاً‭ ‬مؤلماً‭ ‬كم‭ ‬كنت‭ ‬أتمنى‭ ‬تعويض‭ ‬شيء‭ ‬منه‭ ‬عند‭ ‬لقائي‭ ‬بهم‭ ‬والحديث‭ ‬معهم،‭ ‬إنما‭ ‬حال‭ ‬البعاد‭ ‬دون‭ ‬هذا‭ ‬المراد‭. ‬ختاماً‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يولينا‭ ‬لصبرنا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬البلاء‭ ‬أعظم‭ ‬أنواله‭ ‬ويمنحنا‭ ‬من‭ ‬سائر‭ ‬خيراته،‭ ‬ودعنا‭ ‬عيدنا‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬لنستقبل‭ ‬عيدا‭ ‬أجمل‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬