زبدة القول

كم هو مسكين إنسان هذا العصر

| د. بثينة خليفة قاسم

في‭ ‬عصر‭ ‬كورونا‭ ‬أصبح‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مأساة‭ ‬حقيقية‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬متناقضة‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬قواه‭ ‬العقلية‭ ‬والنفسية،‭ ‬وحتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يذاع‭ ‬عن‭ ‬تفشي‭ ‬الوباء‭ ‬وأعداد‭ ‬الوفيات‭ ‬اليومية،‭ ‬تجد‭ ‬غالبية‭ ‬الناس‭ ‬يهرعون‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬ما‭ ‬يبثه‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬كورونا‭ ‬مؤامرة‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬كورونا‭ ‬من‭ ‬الأصل‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬حربا‭ ‬اقتصادية‭ ‬تدور‭ ‬رحاها‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تستهدف‭ ‬إسقاط‭ ‬دول‭ ‬معينة‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬اقتصادياتها‭.‬

لقد‭ ‬وصل‭ ‬البشر‭ ‬إلى‭ ‬حافة‭ ‬الجنون‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يصب‭ ‬فوق‭ ‬رؤوسهم‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬يكفيك‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬أن‭ ‬أميركا‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬إنتاج‭ ‬لقاح،‭ ‬وأن‭ ‬الصين‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬دواء،‭ ‬ثم‭ ‬تعود‭ ‬لتقرأ‭ ‬عن‭ ‬مؤامرة‭ ‬بيل‭ ‬جيتس‭ ‬والسعي‭ ‬لاستعباد‭ ‬البشر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تركيب‭ ‬شرائح‭ ‬تحت‭ ‬جلدهم‭ ‬ليتحكم‭ ‬فيهم،‭ ‬حيث‭ ‬يحميهم‭ ‬إن‭ ‬أراد،‭ ‬أو‭ ‬يقتلهم‭ ‬إن‭ ‬أراد‭!‬

ويكفيك‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬أن‭ ‬تتلقى‭ ‬شيئا‭ ‬رابعا‭ ‬على‭ ‬هاتفك‭ ‬الجوال‭ ‬يحدثك‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬ينسف‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬ولتتأمل‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬تناقلها‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬هواتفهم‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬لكي‭ ‬تعرف‭ ‬حجم‭ ‬مأساة‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬الرسالة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬مركز‭ ‬أبحاث‭ ‬الشمال‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬السودان‭ ‬قام‭ ‬بنسف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أذاعته‭ ‬الصين‭ ‬وأميركا‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والجامعات‭ ‬ومراكز‭ ‬البحوث‭ ‬حول‭ ‬إصابة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬للرئة،‭ ‬وطالب‭ ‬بمقاضاة‭ ‬أميركا‭ ‬والصين‭ ‬بسبب‭ ‬إخفائهما‭ ‬الحقائق‭.‬

والحقائق‭ ‬التي‭ ‬يقصدها‭ ‬المركز‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬الفيروس‭ ‬يصيب‭ ‬كريات‭ ‬الدم‭ ‬الحمراء‭ ‬ويضر‭ ‬بالهيموغلوبين‭ ‬ويجعل‭ ‬هذه‭ ‬الكرات‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬الأكسجين‭ ‬إلى‭ ‬الجسم‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تخليص‭ ‬الجسم‭ ‬من‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحدث‭ ‬الأزمة،‭ ‬وبناء‭ ‬عليه‭ ‬فإن‭ ‬العلاج‭ ‬الناجع‭ ‬هو‭ ‬علاج‭ ‬كريات‭ ‬الدم‭ ‬الحمراء‭ ‬باستخدام‭ ‬أقراص‭ ‬الفوليك‭ ‬أسيد‭ ‬والحديد‭ ‬عموما،‭ ‬وبناء‭ ‬عليه‭ ‬طبقا‭ ‬لهذه‭ ‬الرسالة‭ ‬أيضا‭ ‬تنتفي‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أجهزة‭ ‬التنفس‭ ‬الصناعي‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬خزعبلات‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لها‭!‬

 

وربما‭ ‬يخرج‭ ‬علينا‭ ‬مركز‭ ‬أبحاث‭ ‬الشمال‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬لينفي‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬أو‭ ‬يصححه،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬مركز‭ ‬أبحاث‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أردناه‭ ‬هو‭ ‬التدليل‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬أسباب‭ ‬حالة‭ ‬الحيرة‭ ‬والتشتت‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬العقول‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬كورونا‭.‬