حتى لا تضيع المروءة

| عباس العمران

لنا‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬الإسلامي‭ ‬والعربي‭ ‬قصص‭ ‬يعجز‭ ‬اللسان‭ ‬عن‭ ‬إحصائها‭ ‬وعبر‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعيش‭ ‬معنا‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬إذ‭ ‬تتناقلها‭ ‬الأجيال‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مرور‭ ‬الزمان‭ ‬الطويل‭ ‬عليها‭.‬

فقصة‭ ‬ذلك‭ ‬الأعرابي‭ ‬النبيل‭ ‬الذي‭ ‬أنقذ‭ ‬شخصا‭ ‬كاد‭ ‬يموت‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬والعطش‭ ‬في‭ ‬الصحراء؛‭ ‬حين‭ ‬أعطاهُ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭ ‬وتقاسم‭ ‬معهُ‭ ‬الخوف‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المكان‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬سواهما‭ ‬فيه‭. ‬ولم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بذلك؛‭ ‬بل‭ ‬سامره‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الليل‭ ‬الدامس‭ ‬وبات‭ ‬معه‭ ‬حتى‭ ‬الصباح‭ ‬كي‭ ‬يرافقه‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬وقومه‭ ‬ليطمئن‭ ‬عليه‭. ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬الإحسان‭ ‬والكرم‭ ‬لم‭ ‬يؤثرا‭ ‬في‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬استولى‭ ‬عليه‭ ‬الطمع‭ ‬في‭ ‬الأعرابي،‭ ‬فبادر‭ ‬بالهجوم‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬نائم‭ ‬حتى‭ ‬انتبه‭ ‬الأعرابي‭ ‬ورآه‭ ‬عازمًا‭ ‬على‭ ‬نهبه‭ ‬والغدر‭ ‬به‭. ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يرجوه‭ ‬ويعظه‭ ‬بالعدول‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬الشنيع‭ ‬المخالف‭ ‬للمروءة،‭ ‬ليس‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬ولا‭ ‬عجزًا‭ ‬عن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يسمع‭ ‬العرب‭ ‬بقصتهما‭ ‬فينتشر‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬شِيَمِ‭ ‬الأعراب‭ ‬الغدر‭ ‬والبعدَ‭ ‬عن‭ ‬الشهامة‭ ‬وقلة‭ ‬الوفاء‭ ‬تجاه‭ ‬المحسنين،‭ ‬فذلك‭ ‬يؤدي‭ ‬لانعدام‭ ‬المروءة‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ويذهب‭ ‬النُبل‭ ‬من‭ ‬الرجال‭.‬

وأننا‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نسقط‭ ‬هذة‭ ‬القصة‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬واقعنا‭ ‬اليوم‭ - ‬بشخوصها‭ ‬وتسلسل‭ ‬أحداثها‭ ‬والعبرة‭ ‬منها‭ - ‬فإننا‭ ‬نرى‭ ‬ذلك‭ ‬متمثلا‭ ‬وجليًّا‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مواقفنا‭ ‬الحياتية‭ (‬واللبيب‭ ‬بالاشارة‭ ‬يفهم‭). ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬الحكومية‭ - ‬مع‭ ‬الأسف‭ - ‬نلاحظ‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تولى‭ ‬ذلك‭ ‬المسؤول‭ ‬منصبًا‭ ‬قياديًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬إثبات‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬جهات‭ ‬رسمية‭ ‬عبر‭ ‬تقاريرها‭ ‬بخصوص‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية‭ ‬وتقرير‭ ‬بحرنة‭ ‬الوظائف‭ ‬بما‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الأسى‭ ‬في‭ ‬النفس‭ . ‬

وختاما؛‭ ‬أودّ‭ ‬بأن‭ ‬ألفت‭ ‬انتباه‭ ‬هذا‭ ‬المسؤول‭ ‬ومن‭ ‬يتبع‭ ‬نهجه‭ ‬بأن‭ ‬القيادة‭ ‬الرشيدة‭ ‬قد‭ ‬وضعت‭ ‬بين‭ ‬أيديكم‭ ‬الأمانة‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬ترجوه‭ ‬منكم‭ ‬هو‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬والنهوض‭ ‬بالوطن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بإعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للمواطن‭ ‬في‭ ‬الفرص‭ ‬الوظيفية‭ ‬والتدريبية‭.‬

إن‭ ‬الوطن‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬بطل‭ ‬قصتنا‭ (‬الأعرابي‭) ‬يأملُ‭ ‬فيمن‭ ‬أكرمهم‭ ‬ووثق‭ ‬بهم‭ ‬أن‭ ‬يحفظوه‭ ‬ويصونوه‭ ‬وألا‭ ‬يفعلوا‭ ‬معه‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الرجل‭ ‬مع‭ ‬الأعرابي‭ ‬الذي‭ ‬غدر‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أحسن‭ ‬إليه‭.‬