ريشة في الهواء

أنا منحاز وهذه هي الأسباب

| أحمد جمعة

بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الجيل‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬عقود‭ ‬الخمسينات‭ ‬وحتى‭ ‬الثمانينات،‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ومقارنة‭ ‬بالجيل‭ ‬اللاحق‭ ‬منذ‭ ‬التسعينات‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم،‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬نفتقدهُ‭ ‬بين‭ ‬الجيلين؟‭ ‬وهل‭ ‬سَيُغضَب‭ ‬مني‭ ‬لو‭ ‬انْحزتُ‭ ‬للجيل‭ ‬الأول‭ ‬ولأسباب‭ ‬عدة‭ ‬ليس‭ ‬بينها‭ ‬انتمائي‭ ‬للجيل‭ ‬الأول‭ ‬لأنني‭ ‬أنتمي‭ ‬للجيلين،‭ ‬بعض‭ ‬مني‭ ‬وهو‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬يعود‭ ‬للأول‭ ‬فيما‭ ‬الثاني‭ ‬وهو‭ ‬الأقل‭... ‬لكن‭ ‬باعتبار‭ ‬أنني‭ ‬عشت‭ ‬الجيلين‭ ‬وعاصرت‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬وشباب‭ ‬الجيلين،‭ ‬استنتجت‭ ‬أمرا‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬ويعود‭ ‬لطبيعة‭ ‬الزمن‭ ‬والتحولات‭ ‬وطبيعة‭ ‬التغيير،‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬ثمة‭ ‬إحساس‭ ‬بداخلي‭ ‬حاورتُ‭ ‬نفسي‭ ‬كثيرًا‭ ‬لأزيله‭ ‬من‭ ‬عقلي‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬يترسخ‭ ‬كلما‭ ‬حاولت‭ ‬خلق‭ ‬معادلة‭ ‬موضوعية‭ ‬بين‭ ‬الجيلين،‭ ‬لكن‭ ‬عقلي‭ ‬لا‭ ‬يتقبل‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المظاهر‭ ‬والنتائج‭ ‬والدلائل‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬طبعًا‭ ‬تصب‭ ‬لصالح‭ ‬الجيل‭ ‬الأول،‭ ‬والأمر‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬انحياز‭ ‬ولكن‭ ‬للعوامل‭ ‬التالية‭: ‬ناحية‭ ‬الشعور‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬وتحملها‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬عبئها‭ ‬وثقل‭ ‬وزنها‭ ‬وتداعياتها،‭ ‬وجدت‭ ‬الجيل‭ ‬الأول‭ ‬أكثر‭ ‬رسوخا‭ ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الأجيال‭ ‬والإنسان‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها،‭ ‬فالمسؤولية‭ ‬أساس‭ ‬قواعد‭ ‬بناء‭ ‬الأمم،‭ ‬فقد‭ ‬ضاعت‭ ‬دول‭ ‬كثيرة‭ ‬وفقدت‭ ‬مكانتها‭ ‬لأن‭ ‬الأجيال‭ ‬التي‭ ‬أمسكت‭ ‬بالقواعد‭ ‬لم‭ ‬تتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬بما‭ ‬يكفي،‭ ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬كورونا‭ ‬رأيت‭ ‬حقيقة‭ ‬عجائب‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬الاستهتار‭ ‬بقيم‭ ‬الحياة‭ ‬وتعريض‭ ‬المجتمع‭ ‬للخطر‭ ‬دون‭ ‬شعور‭ ‬بالمسؤولية‭.‬

العامل‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬انحيازي‭ ‬هذا‭ ‬وأذكر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬خاصة‭ ‬أتقبل‭ ‬من‭ ‬البعض‭ ‬دحضها،‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬اللاحق‭ ‬أخفق‭ ‬الكثير‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬التحلي‭ ‬بالصبر‭ ‬والتحمل‭ ‬والنفس‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وتحقيق‭ ‬النجاح،‭ ‬مقارنة‭ ‬بقليل‭ ‬التذمر،‭ ‬شديد‭ ‬الشجاعة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المحن‭ ‬والتغلب‭ ‬عليها،‭ ‬قليل‭ ‬الكلام‭ ‬وكثير‭ ‬الأعمال،‭ ‬وهذا‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرواد‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬عدة‭ ‬كالاقتصاد‭ ‬والثقافة‭ ‬والفن‭ ‬والأدب،‭ ‬ولو‭ ‬استعرضنا‭ ‬الأسماء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬بين‭ ‬الجيلين‭ ‬وقارنا‭ ‬سنجد‭ ‬نتائج‭ ‬تصب‭ ‬لصالح‭ ‬الجيل‭ ‬الأول‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والأدب‭ ‬والاقتصاد‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬ولن‭ ‬أدخل‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬الأسماء‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أتحمل‭ ‬وزر‭ ‬ظلم‭ ‬أحد‭.‬

النقطة‭ ‬الأخرى‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬اليوم‭ ‬بالذات‭ ‬في‭ ‬مظاهر‭ ‬خارجية‭ ‬صغيرة‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬للبعض‭ ‬مثل‭ ‬القشور‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬تؤكد‭ ‬خلاصة‭ ‬ما‭ ‬توصلت‭ ‬إليه،‭ ‬وهذه‭ ‬المظاهر‭ ‬يمكن‭ ‬رؤيتها‭ ‬بالعين‭ ‬واليقين‭ ‬في‭ ‬انعدام‭ ‬الذوق‭ ‬بقيادة‭ ‬السيارات‭ ‬وعدم‭ ‬احترام‭ ‬قواعد‭ ‬السير،‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬القوانين‭ ‬وأبسط‭ ‬مثال‭ ‬نظرة‭ ‬خاطفة‭ ‬في‭ ‬تعاطي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬مع‭ ‬إجراءات‭ ‬مكافحة‭ ‬الوباء‭ ‬الحالي‭.‬

هناك‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬حرجًا‭ ‬لو‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬وقد‭ ‬يساء‭ ‬فهمها‭ ‬ولكن‭ ‬بالمحصلة‭ ‬النهائية‭ ‬أنا‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬جيل‭ ‬الخمسينات‭ ‬إلى‭ ‬الثمانينات‭ ‬أكثر‭ ‬تفاعلاً‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬والمسؤولية‭ ‬والواقع‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬احترام‭ ‬قواعد‭ ‬المرور‭ ‬وتفهم‭ ‬الآخرين‭ ‬والتحلي‭ ‬بالحكمة‭.‬

 

تنويرة‭:

‬ضع‭ ‬سيرتك‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬ودع‭ ‬الآخرين‭ ‬يقرأون‭ ‬الكتاب،‭ ‬حينها‭ ‬لن‭ ‬تموت‭ ‬أبدًا‭.‬