قهوة الصباح

النزف باللون الأخضر

| سيد ضياء الموسوي

أنا‭ ‬لا‭ ‬أعبث‭ ‬بأوراق‭ ‬دانتي‭ ‬في‭ ‬“الكوميديا‭ ‬الإلهية”‭ ‬ولا‭ ‬بدموع‭ ‬شاعر‭ ‬فرنسا‭ ‬العظيم‭ ‬بودلير‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬“أزهار‭ ‬الشر”‭ ‬وهو‭ ‬ينزف‭ ‬بسوداوية‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬المر‭ ‬ولكن‭ ‬بدم‭ ‬أخضر‭.‬

لا‭ ‬أؤمن‭ ‬باشتراكية‭ ‬لينين‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬مع‭ ‬الأرغفة‭ ‬ملاجئ‭ ‬ودموعا‭ ‬جديدة،‭ ‬وأنظمة‭ ‬شيوعية‭ ‬ينخر‭ ‬فيها‭ ‬سوس‭ ‬الحزب‭ ‬الواحد‭ ‬والأوحد،‭ ‬ولا‭ ‬برأسمالية‭ ‬آدم‭ ‬سميث‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“ثروة‭ ‬الأمم”‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬السنة‭ ‬الجوعى‭ ‬إلى‭ ‬أشرعة‭ ‬سفن‭ ‬هاربة‭ ‬من‭ ‬فضائحية‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬حيث‭ ‬تظهر‭ ‬هزالة‭ ‬العالم‭ ‬المغرور‭ ‬بانتفاخ‭ ‬“الأنا”‭ ‬أمام‭ ‬الله،‭ ‬وتصخم‭ ‬الجشع،‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬ومعظم‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬عدا‭ ‬الدول‭ ‬الاسكندنافية،‭ ‬دول‭ ‬السعادة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بكل‭ ‬ذلك،‭ ‬ولا‭ ‬أدعم‭ ‬أي‭ ‬يافطات‭ ‬دينية‭ ‬توزع‭ ‬قسائم‭ ‬أراضي‭ ‬الجنة‭ ‬للفقراء،‭ ‬وهي‭ ‬تزرع‭ ‬المخدرات‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬الفلاحين،‭ ‬وتبيع‭ ‬عرقهم‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬بورصة‭ ‬العباءات‭ ‬المثقوبة‭ ‬مع‭ ‬أشلاء‭ ‬منشورة‭ ‬على‭ ‬الجغرافيا‭ ‬نعوشا‭ ‬وتوابيت‭ ‬ومقابر‭.‬

السجن‭ ‬الفكري‭ ‬أخطر‭ ‬السجون،‭ ‬يقول‭ ‬دوستويفيسكي‭ ‬“إن‭ ‬أفضل‭ ‬طريقة‭ ‬لمنع‭ ‬سجين‭ ‬من‭ ‬الهروب‭ ‬بأن‭ ‬تتأكد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬سجن”‭. ‬لست‭ ‬مع‭ ‬العولمة،‭ ‬وهي‭ ‬تشطب‭ ‬“نحن”‭ ‬لأجل‭ ‬فردية‭ ‬“الأنا”،‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سيحول‭ ‬الكائنات‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬تكدس‭ ‬مال‭ ‬وفي‭ ‬داخله‭ ‬قلوب‭ ‬محطمة‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الخلاص،‭ ‬ولو‭ ‬برصاصة‭ ‬انتحار‭.‬

هذه‭ ‬جمالياتنا،‭ ‬صورة‭ ‬علي‭ (‬ع‭) ‬معلقة‭ ‬كلوحة‭ ‬زيتية‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬القلب،‭ ‬تسمح‭ ‬للقناديل‭ ‬أن‭ ‬تصطف‭ ‬لتعلن‭ ‬عن‭ ‬الضوء،‭ ‬وقلب‭ ‬ينبض‭ ‬بحب‭ ‬بودلير‭ ‬الوطني‭ ‬الغريب،‭ ‬وعقل‭ ‬يرسمه‭ ‬فولتير‭ ‬الهارب‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬الكنيسة،‭ ‬يبحث‭ ‬بملقطه‭ ‬عن‭ ‬إنسانية‭ ‬حين‭ ‬استحالت‭ ‬إلى‭ ‬جثة‭ ‬مهترئة‭ ‬في‭ ‬بطون‭ ‬ضباع‭ ‬العنصرية؛‭ ‬وبين‭ ‬القلب‭ ‬والعقل‭ ‬بداخلي،‭ ‬يد‭ ‬تحمل‭ ‬إصبع‭ ‬فان‭ ‬جوخ‭ ‬وبيكاسو‭ ‬بلوحة‭ ‬“الصرخة”‭ ‬للفنان‭ ‬مونك،‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬بشاعة‭ ‬العالم،‭ ‬ويد‭ ‬تعزف‭ ‬لموزارت‭ ‬هاربا‭ ‬من‭ ‬الجوع،‭ ‬وبيتهوفن‭ ‬تركله‭ ‬أرجل‭ ‬الصبية‭ ‬عندما‭ ‬وجدوه‭ ‬ملقى‭ ‬على‭ ‬رصيف‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬النمسا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحترموا‭ ‬قامته،‭ ‬وأصابعه‭ ‬الجميلة‭. ‬وعين‭ ‬تحلق‭ ‬في‭ ‬الإلهة،‭ ‬وأخرى‭ ‬تذرف‭ ‬دمعا‭ ‬على‭ ‬خطيئة‭ ‬ماضٍ‭ ‬متشظٍ،‭ ‬أثخنته‭ ‬هرطقيات‭ ‬وكهنوتية‭ ‬وارثوذكسية‭ ‬الكهنة‭ ‬الذين‭ ‬تتدلى‭ ‬بطونهم‭ ‬بالحقوق‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬حربهم‭ ‬ليوسف‭. ‬

منحاز‭ ‬أنا‭ ‬لكل‭ ‬عاشق‭ ‬يتنفس‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬بقايا‭ ‬أتربة‭ ‬بقيت‭ ‬عالقة‭ ‬بذكرى‭ ‬ثوب‭ ‬الحبيبة‭ ‬غبارا‭ ‬ودما‭ ‬ودمعا،‭ ‬مرتلا‭ ‬قول‭ ‬جبران‭ ‬“سلاما‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يملكون‭ ‬معنى‭ ‬الحب،‭ ‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬حبيبا”‭. ‬

أنا‭ ‬مع‭ ‬حقيبة‭ ‬سفر‭ ‬تسافر‭ ‬مع‭ ‬ريح‭ ‬قاصف،‭ ‬ووجع‭ ‬عاصف،‭ ‬تعصف‭ ‬بالورق‭ ‬والذكرى‭. ‬فعندما‭ ‬تشرق‭ ‬الشمس‭ ‬تكشف‭ ‬باريس‭ ‬عن‭ ‬أجمل‭ ‬مفاتنها،‭ ‬نهر‭ ‬السين‭ ‬يحتسي‭ ‬قهوته،‭ ‬وشفتي‭ ‬جادة‭ ‬الشانزليزيه،‭ ‬وهي‭ ‬تلونها‭ ‬بلون‭ ‬أحمر،‭ ‬وغرور‭ ‬برج‭ ‬ايفل‭ ‬يبسم‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كتدرائية‭ ‬نوتردام‭ ‬حيث‭ ‬مات‭ ‬فيكتور‭ ‬هيجو،‭ ‬وما‭ ‬انتهت‭ ‬قصة‭ ‬“الاحدب‭ ‬نوتردام”‭ ‬مع‭ ‬رنة‭ ‬كؤوس‭ ‬العشاق‭ ‬في‭ ‬المقاهي‭ ‬المعتقة‭ ‬القديمة‭ ‬مرتلا‭ ‬قول‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬“إذا‭ ‬أعادوا‭ ‬لك‭ ‬المقاهي‭ ‬القديمة،‭ ‬من‭ ‬يعيد‭ ‬لنا‭ ‬الرفاق؟”،‭ ‬بجمال‭ ‬آرثر‭ ‬رامبو‭ ‬في‭ ‬شعره‭ ‬الثوري،‭ ‬وغوستاف‭ ‬فلوبير‭ ‬في‭ ‬تمسكه‭ ‬بالعشق‭ ‬على‭ ‬كبر،‭ ‬ومارسيل‭ ‬بروست‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ضاع‭ ‬ولم‭ ‬يعد،‭ ‬وغوستاف‭ ‬لوبون‭ ‬في‭ ‬تشفير‭ ‬الجماهير،‭ ‬وجاك‭ ‬فلوبير‭ ‬في‭ ‬نوم‭ ‬الحب‭ ‬كطفل‭ ‬يرتعش‭ ‬على‭ ‬ذراع‭ ‬الحبيبة،‭ ‬ولافونتين‭ ‬في‭ ‬أساطيره،‭ ‬والبيركامو‭ ‬مرتلا‭ ‬رواية‭ ‬“الغريب”،‭ ‬حين‭ ‬خان‭ ‬الحب‭ ‬فخانه‭. ‬

عندما‭ ‬أنزف‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬الكتابة،‭ ‬أنزف‭ ‬لأجل‭ ‬الوطن‭ ‬وعين‭ ‬البحرين،‭ ‬منشدا‭ ‬شعر‭ ‬رسول‭ ‬حمزاتوف‭ ‬“شيئان‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬يستحقان‭ ‬التضحية‭ ‬الكبيرة‭: ‬وطن‭ ‬حنون‭ ‬وامرأة‭ ‬رائعة”؛‭ ‬لأنحاز‭ ‬إلى‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الذي‭ ‬يحتضن‭ ‬من‭ ‬يؤازره‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬الوطن‭ ‬وربطات‭ ‬الخبز،‭ ‬وزوايا‭ ‬الخاصرة‭ ‬المثخنة‭ ‬بالوجع‭.‬

أنا‭ ‬مع‭ ‬عرق‭ ‬العاطلين،‭ ‬والقديس‭ ‬الذي‭ ‬يعيد‭ ‬الحقوق‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬الجعفرية‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬المشعوذ‭ ‬الروسي‭ ‬راسبوتين‭ ‬الذي‭ ‬تاجر‭ ‬بالإله،‭ ‬وسطى‭ ‬على‭ ‬قدسية‭ ‬المال،‭ ‬وغاب‭ ‬مع‭ ‬الريح‭ ‬وكأن‭ ‬شيئا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭. ‬

نريد‭ ‬أن‭ ‬نفتش‭ ‬بالقلم‭ ‬والحبر‭ ‬والدواة‭ ‬عن‭ ‬ثياب‭ ‬قرارات‭ ‬هيئة‭ ‬التامين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وأين‭ ‬استقر‭ ‬منجم‭ ‬أموال‭ ‬المتقاعدين‭ ‬بعد‭ ‬مهزلة‭ ‬بعض‭ ‬شركات‭ ‬التدقيق‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬دقة‭ ‬ولا‭ ‬تدقيق،‭ ‬وكيف‭ ‬ننبش‭ ‬توصيات‭ ‬ديوان‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية،‭ ‬وكيف‭ ‬نقوم‭ ‬باستجواب‭ ‬الوزراء‭ ‬من‭ ‬منصة‭ ‬الصحافة‭ ‬بالنقد‭ ‬الحضاري‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬سبب‭ ‬لبعضهم‭ ‬الصداع‭ ‬أو‭ ‬أصيبوا‭ ‬بالصدفية‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬الإدارة‭ ‬أو‭ ‬بحكة‭ ‬جلدية‭. ‬

وبين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬نرفع‭ ‬القبعة‭ ‬تقديرا‭ ‬لقيادة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬تعملق‭ ‬القلعة‭ ‬وعلو‭ ‬العلم‭ ‬على‭ ‬ناصية‭ ‬الوطن،‭ ‬وسمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬تماسك‭ ‬الجذر‭ ‬والجدار‭ ‬والجلّنار،‭ ‬وسمو‭ ‬ولي‭ ‬عهد،‭ ‬وهو‭ ‬يرتب‭ ‬أثاث‭ ‬المستقبل‭ ‬حيث‭ ‬أثبت‭ ‬جدارته‭ ‬وجداريته‭ ‬الزيتية‭ ‬بامتياز‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الفريق‭ ‬بتأنٍ‭ ‬أبهر‭ ‬الجميع‭ ‬أمام‭ ‬فيروس‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬ولا‭ ‬يستحم‭ ‬إلا‭ ‬بالموتى‭ ‬نعوشا‭ ‬أشجارا‭ ‬وأغصانا‭ ‬غضى‭ ‬وأكاليل‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬ع‭) ‬“للنكبات‭ ‬غايات‭ ‬تنتهي‭ ‬إليها،‭ ‬ودواؤها‭ ‬الصبر‭ ‬عليها،‭ ‬وترك‭ ‬الحيلة‭ ‬في‭ ‬إزالتها،‭ ‬فإن‭ ‬الحيلة‭ ‬في‭ ‬إزالتها‭ ‬قبل‭ ‬انقضاء‭ ‬مدتها‭ ‬سبب‭ ‬لزيادتها”‭.‬