مسك الختام... تقبل الله طاعتكم

| د.حورية الديري

ما‭ ‬أغرب‭ ‬الأيام‭ ‬وهي‭ ‬تمر‭ ‬بأحداثها‭ ‬سريعًا‭ ‬لتغدو‭ ‬ذكريات‭ ‬تذهب‭ ‬وتأتي‭ ‬بغيرها‭ ‬حتى‭ ‬تتراكم‭ ‬بين‭ ‬صفحات‭ ‬الحياة،‭ ‬وما‭ ‬أغرب‭ ‬أبطالها‭ ‬حين‭ ‬يتفاعلون‭ ‬معها‭ ‬بمشاعر‭ ‬مترددة،‭ ‬متناسين‭ ‬أحقيتهم‭ ‬في‭ ‬تذوقها‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يستحقون‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬والسعادة‭.‬

وهكذا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مرت‭ ‬أعظم‭ ‬أيام‭ ‬الخير‭ ‬والبركات،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬وفقنا‭ ‬الله‭ ‬جميعًا‭ ‬لصيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬ففي‭ ‬الأمس‭ ‬كنا‭ ‬نترقب‭ ‬دخوله‭ ‬علينا‭ ‬ونحن‭ ‬ممتعظين‭ ‬مما‭ ‬يحصل‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬متغيرات،‭ ‬اجتهدنا‭ ‬للتكيف‭ ‬معها‭ ‬وقبولها‭ ‬ونحن‭ ‬نتساءل‭ ‬حول‭ ‬الكثير،‭ ‬والآن،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬انقضت‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬المباركة،‭ ‬بما‭ ‬استطعنا‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬وعمل،‭ ‬فإننا‭ ‬نحتفل‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بجزيل‭ ‬الهدايا‭ ‬والعطايا،‭ ‬لكنها‭ ‬بنكهة‭ ‬متغيرة‭ ‬أيضًا،‭ ‬فلنتمعن‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ (‬قل‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬وبرحمته‭ ‬فبذلك‭ ‬فليفرحوا‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬مما‭ ‬يجمعون‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬تبين‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬رقم‭ ‬‮٥٨‬‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬يونس‭ ‬مقام‭ ‬الفرح‭ ‬والسعادة،‭ ‬وبما‭ ‬أننا‭ ‬المجتمع‭ ‬السعيد‭ ‬الواعي‭ ‬فلن‭ ‬نفتقد‭ ‬ذلك‭ ‬أبدًا،‭ ‬إذا‭ ‬استطعنا‭ ‬الوقوف‭ ‬لحظة‭ ‬الشتات،‭ ‬وأخذنا‭ ‬برهة‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬فيما‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬علينا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعاننا‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الصيام‭ ‬والقيام‭ ‬وتلاوة‭ ‬القرآن‭ ‬وعمل‭ ‬الخير،‭ ‬وجعل‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬ما‭ ‬أتاح‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬البدائل‭ ‬الكثير‭ ‬للتكيف‭ ‬مع‭ ‬الأوضاع‭ ‬المتغيرة‭.‬

سنرى‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬أنفسنا‭ ‬علينا‭ ‬تبادل‭ ‬التهاني‭ ‬والتبريكات‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬تشاركنا‭ ‬معهم‭ ‬أفضل‭ ‬وأبرك‭ ‬الأيام‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬والوسائل‭ ‬المتاحة‭ ‬للتواصل‭ ‬والترابط،‭ ‬فرحين‭ ‬بما‭ ‬جنينا‭ ‬من‭ ‬جوائز‭ ‬لفضائل‭ ‬أعمالنا،‭ ‬سنرى‭ ‬أحقية‭ ‬العيد‭ ‬علينا‭ ‬بأن‭ ‬نحييه‭ ‬ونبتهج‭ ‬به‭ ‬ونفرح،‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬تكريم‭ ‬المرء‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬جزيل‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬فماذا‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التكريم‭ ‬إنهاء‭ ‬شعيرة‭ ‬من‭ ‬شعائر‭ ‬الإسلام؟

إن‭ ‬الحديث‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الفرحة‭ ‬في‭ ‬التجمل‭ ‬والتطيب‭ ‬والتزاور‭ ‬فقط،‭ ‬لما‭ ‬للعيد‭ ‬من‭ ‬منزلة‭ ‬راقية‭ ‬تستحق‭ ‬الفرح‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬واقترانه‭ ‬بصوم‭ ‬رمضان‭. ‬إن‭ ‬هديتك‭ ‬لنفسك‭ ‬اليوم،‭ ‬وأنت‭ ‬تنعم‭ ‬بمنة‭ ‬التمام‭ ‬والكمال‭ ‬أن‭ ‬تبتهج‭ ‬ظاهرًا‭ ‬وباطنًا،‭ ‬وأن‭ ‬تنهض‭ ‬حامدًا‭ ‬شاكرًا‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬عليك،‭ ‬فقد‭ ‬مكننا‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬الصيام‭ ‬والطاعات،‭ ‬كما‭ ‬أننا‭ ‬نقف‭ ‬اليوم‭ ‬شاكرين‭ ‬له‭ ‬فضله‭ ‬وما‭ ‬أجزله‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬هدايا‭. ‬فكما‭ ‬كنا‭ ‬بحاجة‭ ‬لبركات‭ ‬رمضان‭ ‬فإننا‭ ‬أيضًا‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬لبركات‭ ‬العيد،‭ ‬فلا‭ ‬تجعلوا‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬تكريمًا‭ ‬للعباد‭ ‬دون‭ ‬تخليد‭ ‬جميل،‭ ‬وهي‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬تلتقط‭ ‬أجمل‭ ‬الصور‭ ‬واللقطات‭ ‬في‭ ‬هاتفك‭ ‬النقال‭ ‬وتتصفحها‭ ‬لاحقًا‭ ‬مبتهجًا‭ ‬بتلك‭ ‬اللحظات،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬تشاركها‭ ‬الآخرين‭ ‬ويشاركوك‭ ‬الابتهاج‭.‬

والحديث‭ ‬هنا‭ ‬لمن‭ ‬ترردت‭ ‬مشاعره‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتكيف‭ ‬مع‭ ‬الحدث‭ ‬المتغير‭ ‬ويعطي‭ ‬نفسه‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬تستحق،‭ ‬ويظهر‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المواقف‭ ‬والأحداث‭ ‬وهو‭ ‬يصنع‭ ‬الذكرى‭ ‬العطرة‭... ‬ويكون‭ ‬مسك‭ ‬الختام‭ ‬لرمضان‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬بقبول‭ ‬الطاعات‭ ‬وقبول‭ ‬الهدايا‭ ‬الجزال‭.‬