سوالف

تطاول النجوم بيديه ورمى رأسه على كتف القمر

| أسامة الماجد

كثير‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور‭ ‬أفردوا‭ ‬“للإنسان”‭ ‬فصولا‭ ‬في‭ ‬كتبهم‭ ‬ومؤلفاتهم،‭ ‬وتبحروا‭ ‬داخل‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬وعظمتها،‭ ‬رسموا‭ ‬الحروف‭ ‬واقتحموا‭ ‬الوجدان،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الأدباء‭ ‬والمفكرين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬وجدوا‭ ‬دفء‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬“الإنسان‭ ‬نفسه”‭ ‬هو‭ ‬ميخائيل‭ ‬نعيمة،‭ ‬الأديب‭ ‬الذي‭ ‬تطاول‭ ‬النجوم‭ ‬بيديه‭ ‬ورمى‭ ‬رأسه‭ ‬على‭ ‬كتف‭ ‬القمر‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬جميلا،‭ ‬وغاليا،‭ ‬وشريفا،‭ ‬فإن‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬القمة‭ ‬التي‭ ‬يلتقي‭ ‬عندها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬جمال،‭ ‬ونفاسة،‭ ‬وشرف،‭ ‬وهو‭ ‬حين‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬معرفة‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬فإنما‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬معرفة‭ ‬نفسه،‭ ‬وقد‭ ‬عبر‭ ‬ميخائيل‭ ‬نعيمة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬ممتع‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬كتابه‭ ‬الرائع‭ ‬“صوت‭ ‬العالم”‭ ‬والذي‭ ‬استعرضه‭ ‬عبدالغني‭ ‬حسن،‭ ‬ويقول‭ ‬فيه‭: ‬“كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬ثمين‭ ‬وجميل‭ ‬وشريف،‭ ‬لكن‭ ‬أثمنه‭ ‬وأجمله‭ ‬وأشرفه‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬هو‭ ‬الإنسان،‭ ‬فهو‭ ‬الكائن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لكيانه،‭ ‬هو‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينثني‭ ‬يفتش‭ ‬عن‭ ‬ذاته،‭ ‬والخيال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمل‭ ‬ارتياد‭ ‬المستتر‭ ‬والمجهول،‭ ‬والمغناطيس‭ ‬الذي‭ ‬يتناول‭ ‬الإلهام‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الكائنات،‭ ‬والخزان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينضب‭ ‬من‭ ‬الشوق‭ ‬إلى‭ ‬الكمال‭ ‬المطلق،‭ ‬هو‭ ‬غاية‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬وجودها،‭ ‬أما‭ ‬غايته‭ ‬من‭ ‬وجوده‭ ‬فمعرفته‭ ‬نفسه،‭ ‬ومعرفته‭ ‬نفسه‭ ‬تعني‭ ‬معرفته‭ ‬الله،‭ ‬ومعرفته‭ ‬الله‭ ‬تعني‭ ‬معرفته‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ومعرفته‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تعني‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬والانعتاق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬قيد”‭. ‬

فالإنسان‭ ‬عند‭ ‬ميخائيل‭ ‬نعيمة‭ ‬شيء‭ ‬فوق‭ ‬الأشياء،‭ ‬وهو‭ - ‬في‭ ‬ذاته‭ - ‬قيمة‭ ‬كبرى‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بأغلى‭ ‬الأثمان،‭ ‬وهو‭ - ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬عمره‭ ‬وشكله‭ ‬وجنسه‭ -‬‭ ‬نفيس‭ ‬القيمة‭ ‬لا‭ ‬تبخسه‭ ‬حال‭ ‬مهما‭ ‬تواضعت‭ ‬لظرف‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬الطوارئ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬بها‭ ‬التقويم،‭ ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬تصلح‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬زادا‭ ‬لخير‭ ‬كثير‭.‬

عندما‭ ‬تقرأ‭ ‬لميخائيل‭ ‬نعيمة‭ ‬كأنك‭ ‬تسمع‭ ‬كلمات‭ ‬دافئة،‭ ‬تبلل‭ ‬شفتيك‭ ‬برشفة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬الجمال،‭ ‬وتقبل‭ ‬خدود‭ ‬العظمة‭. ‬كتاباته‭ ‬تصنع‭ ‬القوة‭ ‬للإنسانية‭ ‬في‭ ‬لياليها‭ ‬الحالمة‭.‬