ومضة قلم

عيد بلا قناديل

| محمد المحفوظ

يأتي‭ ‬العيد‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬نفسه‭ ‬ولا‭ ‬يحمل‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬طقوسه،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬للعيد‭ ‬تلك‭ ‬الملامح‭ ‬التي‭ ‬اعتدنا‭ ‬عليها،‭ ‬بل‭ ‬فقد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬لذة‭ ‬الأعياد،‭ ‬يأتي‭ ‬العيد‭ ‬متثاقل‭ ‬الخطى‭ ‬بلا‭ ‬أهازيج،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الفرح،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬الجائحة‭ ‬أسكتت‭ ‬كل‭ ‬الأصوات‭ ‬الجميلة،‭ ‬فالقلوب‭ ‬والنفسيات‭ ‬متعبة‭. ‬

ثمة‭ ‬مقولة‭ ‬ذات‭ ‬دلالة‭ ‬عميقة‭ ‬مفادها‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تصنع‭ ‬ابتسامة‭ ‬أو‭ ‬تجميلها‭ ‬فأقفل‭ ‬عليك‭ ‬غرفتك‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬التظاهر‭ ‬بالفرح،‭ ‬لكن‭ ‬المفارقة‭ ‬الباعثة‭ ‬على‭ ‬السخرية‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬شعارا‭ ‬للجميع‭ ‬بألا‭ ‬نبرح‭ ‬غرفنا‭! ‬نعم‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نفوت‭ ‬لحظات‭ ‬الفرح‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬عابرة‭ ‬ونتشاركها‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬نحبهم‭ ‬لكن‭ ‬عن‭ ‬بعد‭. ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬العصيبة‭ ‬وبالغة‭ ‬الكآبة‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الطمأنينة‭ ‬أو‭ ‬طاقة‭ ‬إيجابية‭ ‬ومن‭ ‬يعيد‭ ‬له‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬الهارب‭.‬

كنا‭ ‬نردد‭ ‬أن‭ ‬مجتمعنا‭ ‬رغم‭ ‬تظاهره‭ ‬بالتدين‭ ‬والذي‭ ‬من‭ ‬سماته‭ ‬صلة‭ ‬الرحم‭ ‬وزيارة‭ ‬الأقارب،‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬استعاض‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بتبادل‭ ‬التهاني‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬الاتصال‭ ‬الهاتفي،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬بات‭ ‬يحتم‭ ‬علينا‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬التواصل‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭. ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬نفقد‭ ‬الأمل‭ ‬ففي‭ ‬ذات‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬ترصد‭ ‬فيها‭ ‬يوميا‭  ‬حالات‭ ‬لمصابين،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬أيضا‭ ‬التزاما‭ ‬مدهشا‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬بالإرشادات‭ ‬الصحية‭ ‬والتعليمات‭ ‬وخروج‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬المتعافين،‭ ‬وهذه‭ ‬بشارة‭ ‬أكيدة‭ ‬بأنّ‭ ‬الأزمة‭ ‬ستمر‭ ‬رغم‭ ‬حجم‭ ‬الخسارات‭ ‬الباهظة،‭ ‬وأنّ‭ ‬علينا‭ ‬تقبل‭ ‬صعوبات‭ ‬الحياة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬المحن‭ ‬إلى‭ ‬منح‭ ‬وفرص‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الاستثنائية‭ ‬العابرة‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬كم‭ ‬تبدو‭ ‬الحاجة‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬أجواء‭ ‬العيد‭ ‬إلى‭ ‬بث‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬كرعاية‭ ‬المسنين‭ ‬وتلمس‭ ‬معاناة‭ ‬الجيران‭ ‬والأطفال‭ ‬ذوي‭ ‬الحاجات‭ ‬الخاصة‭ ‬وتقدير‭ ‬ما‭ ‬منحنا‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬نعم‭ ‬لا‭ ‬تحصى‭. ‬نعم‭ ‬إنّ‭ ‬أزمة‭ ‬الوباء‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬تباعدا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬لكنها‭ ‬أظهرت‭ ‬كم‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تواصل‭ ‬مع‭ ‬بعضنا،‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أننا‭ ‬سنكسب‭ ‬المعركة‭ ‬بفضل‭ ‬جهود‭ ‬الكوادر‭ ‬الطبية‭ ‬والتمريضية‭ ‬التي‭ ‬تعجز‭ ‬الكلمات‭ ‬أن‭ ‬تفيهم‭ ‬حقهم‭ ‬من‭ ‬الشكر‭. ‬

يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نصنع‭ ‬الفرح‭ ‬عندما‭ ‬نقتسم‭ ‬الرغيف‭ ‬والفرحة‭ ‬عندما‭ ‬نتشاركها‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬وعظمة‭ ‬الإنسان‭ ‬تقاس‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬ولا‭ ‬معنى‭ ‬للفرح‭ ‬بدون‭ ‬العطاء‭ ‬فلنتقاسم‭ ‬الفرح‭ ‬مع‭ ‬البسطاء‭ ‬بلا‭ ‬مقابل‭. ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬والجميع‭ ‬بخير‭ ‬وسلام‭.‬