إيميلي دكنسون... وعزلة حتى الممات

| أميرة صليبيخ

بملابسها‭ ‬البيضاء‭ ‬وأطوارها‭ ‬الغريبة‭ ‬جدا،‭ ‬اختارت‭ ‬الشاعرة‭ ‬الأميركية‭ ‬الأكثر‭ ‬شهرة‭ ‬وتأثيرا‭ ‬إيميلي‭ ‬ديكنسون‭ ‬أن‭ ‬تقضي‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬حياتها‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬منزلية،‭ ‬تطورت‭ ‬لحد‭ ‬التطرف‭ ‬عندما‭ ‬قررت‭ ‬عدم‭ ‬مغادرة‭ ‬غرفتها‭. ‬ديكنسون‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬مرة‭ ‬“سأنطلق‭ ‬بمصابيح‭ ‬لأبحث‭ ‬عن‭ ‬نفسي”‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬تماما‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الانعزال‭ ‬التام‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬بعض‭ ‬المقربين‭ ‬وأصدقاء‭ ‬المراسلة‭.‬

عرف‭ ‬عن‭ ‬ديكنسون‭ ‬حبها‭ ‬الكتابة‭ ‬لكن‭ ‬أحدا‭ ‬لم‭ ‬يعلم‭ ‬أثناء‭ ‬حياتها‭ ‬عن‭ ‬القصائد‭ ‬الـ‭ ‬1800‭ ‬المخبأة‭ ‬في‭ ‬الأدراج‭ ‬والتي‭ ‬كتبتها‭ ‬بالسر‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أعوام،‭ ‬ولم‭ ‬تفصح‭ ‬عنها‭ ‬إلا‭ ‬قبل‭ ‬موتها،‭ ‬عندما‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬أختها‭ ‬حرقها‭ ‬جميعا،‭ ‬وقد‭ ‬شرعت‭ ‬الأخت‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬حرق‭ ‬بعض‭ ‬إرثها‭ ‬الأدبي‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لحسن‭ ‬الحظ‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬إنقاذ‭ ‬40‭ ‬مجموعة‭ ‬شعرية،‭ ‬لتشرع‭ ‬بعدها‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تنقيحها‭ ‬ونشرها‭ ‬للعالم‭.‬

تدور‭ ‬حول‭ ‬حياة‭ ‬إيميلي‭ ‬الغامضة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأقاويل،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تستقبل‭ ‬الزوار‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الباب،‭ ‬وفضلت‭ ‬الغرق‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الكتابة‭ ‬والشعر‭ ‬حتى‭ ‬يومها‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬كتبت‭ ‬فيه‭ ‬مراسلة‭ ‬لابن‭ ‬عمها‭ ‬وقالت‭ ‬إنه‭ ‬تم‭ ‬نداؤها‭!‬

تقول‭ ‬عن‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬القصائد‭: ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أقو‭ ‬على‭ ‬انتظار‭ ‬الموت،‭ ‬هو‭ ‬بلطف‭ ‬انتظرني،‭ ‬توقفت‭ ‬العربة‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬سوانا،‭ ‬فقط‭ ‬نحن‭ ‬والخلود‭! ‬

وربما‭ ‬بهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬كانت‭ ‬تتنبأ‭ ‬بموتها‭ ‬وخلودها‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬حيث‭ ‬تعتبر‭ ‬اليوم‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬شعراء‭ ‬أميركا،‭ ‬وصنفت‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬26‭ ‬أديبا‭ ‬وأديبة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تلق‭ ‬التقدير‭ ‬الذي‭ ‬تستحقه‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬القصائد‭ ‬المخبأة‭ ‬بعد‭ ‬وفاتها‭. ‬حقا‭... ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الشخص‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجده‭ ‬في‭ ‬عزلته،‭ ‬ربما‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬أو‭ ‬تجد‭ ‬كنزا‭ ‬دفينا‭ ‬في‭ ‬داخلك‭ ‬بانتظار‭ ‬الظهور‭.‬