من العلاج البشري إلى الشفاء الإنساني... عودة إلى البوصلة الربانية

| د. ندى أحمد الحساوي

كثر‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬الشفاء‭ ‬الذاتي،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬علاج‭ ‬للجسد‭ ‬ليس‭ ‬إلا،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬علاج‭ ‬بالأغذية‭ ‬والنباتات‭ ‬الطبية‭ ‬والحقل‭ ‬الطاقي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬علاجات‭ ‬هي‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬قيم‭ ‬عليا‭ ‬لبعض‭ ‬القائمين‭ ‬عليها،‭ ‬لكن‭ ‬لماذا‭ ‬تشكل‭ ‬تلك‭ ‬المجلات‭ ‬الإبداعية‭ ‬علاجا‭ ‬وليس‭ ‬شفاء؟

إن‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬تتجلى‭ ‬بالفهم‭ ‬الحقيقي‭ ‬للمصطلحين،‭ ‬فالعلاج‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تثبيط‭ ‬وتهدئة‭ ‬أعراض‭ ‬المرض‭ ‬والخلل‭ ‬الجسدي‭ ‬دون‭ ‬التعرّض‭ ‬إلى‭ ‬سبب‭ ‬نشوء‭ ‬الخلل‭ ‬وظهور‭ ‬ذلك‭ ‬المرض،‭ ‬أما‭ ‬الشفاء‭ ‬ففيه‭ ‬كشف‭ ‬لمعضلة‭ ‬المرض،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بسبب‭ ‬خروج‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬بوصلته‭ ‬الربانية،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬الخير‭ ‬الذي‭ ‬يتفعّل‭ ‬فقط‭ ‬بإطلاق‭ ‬إبداع‭ ‬الروح‭ ‬المتجلّي‭ ‬بممارسة‭ ‬العمل‭ ‬المرتبط‭ ‬بالقيمة‭ ‬العليا‭ ‬الذاتية،‭ ‬والشر‭ ‬الذي‭ ‬يشقي‭ ‬الإنسان‭ ‬بسبب‭ ‬بعده‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬البوصلة‭ ‬الربانية‭ ‬الرحيمة،‭ ‬والخير‭ ‬بطبيعته‭ ‬إنما‭ ‬يتجلّى‭ ‬بالمشاعر‭ ‬السامية‭ ‬الحكيمة‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬واع‭ ‬وليس‭ ‬عاطفة‭ ‬وتعلّقا،‭ ‬ومن‭ ‬امتنان‭ ‬روحي‭ ‬وليس‭ ‬انكسارا‭ ‬ومذلة،‭ ‬وبالخير‭ ‬يتم‭ ‬الشفاء‭ ‬الإنساني،‭ ‬وبالشر‭ ‬يظل‭ ‬الإنسان‭ ‬تائها‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬الظلمات‭ ‬لأنه‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬بوصلة‭ ‬الرب‭.‬

إذا‭ ‬كيف‭ ‬يتفعّل‭ ‬الشفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬يا‭ ‬ترى؟‭ ‬هناك‭ ‬آليّة‭ ‬شفاء‭ ‬كامنة‭ ‬في‭ ‬أجسادنا،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬تفعيل‭ ‬تلك‭ ‬الآلية‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬مادة‭ ‬الجسد،‭ ‬بل‭ ‬وأعمق‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الخلايا‭ ‬والذرات،‭ ‬ذلك‭ ‬المستوى‭ ‬العميق‭ ‬هو‭ ‬الطاقة‭ ‬المنبثقة‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬نحو‭ ‬التطوّر‭ ‬والنماء،‭ ‬كل‭ ‬منّا‭ ‬لديه‭ ‬مفتاح‭ ‬تشغيل‭ ‬تلك‭ ‬الطاقة‭ ‬الكونية،‭ ‬باختلاف‭ ‬تلك‭ ‬المفاتيح‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬الغاية‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬تحقيق‭ ‬الإنجاز‭ ‬المتميّز‭ ‬والامتلاء‭ ‬المحقق‭ ‬للهدف‭ ‬والتارك‭ ‬للأثر‭.‬

‭ ‬فعندما‭ ‬نفعّل‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬مكمنها‭ ‬القلب‭ ‬ونعادل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬من‭ ‬أشرطة‭ ‬الآلام‭ ‬والتعلّق‭ ‬والتوقّع،‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬هدأنا‭ ‬استنفار‭ ‬الجهاز‭ ‬العصبي‭ ‬السمبثاوي‭ ‬المستثار‭ ‬بالانفعالات‭ ‬المدمّرة‭ ‬والتشتّت،‭ ‬وكذلك‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬أعدنا‭ ‬الاتساق‭ ‬الفطري‭ ‬بين‭ ‬القلب‭ ‬والدماغ‭ ‬بما‭ ‬يهوى‭ ‬القلب‭ ‬من‭ ‬عمل،‭ ‬فتضاء‭ ‬البصيرة‭ ‬وتتواصل‭ ‬مع‭ ‬الكون‭ ‬لتلتقط‭ ‬أفكارا‭ ‬من‭ ‬الحقل‭ ‬المعلوماتي‭ ‬على‭ ‬نسق‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬الكونية‭ ‬لذلك‭ ‬الإنسان،‭ ‬عندها‭ ‬فقط‭ ‬يتفعّل‭ ‬الجهاز‭ ‬العصبي‭ ‬النظير‭ ‬سمبثاوي‭ ‬المناط‭ ‬بالبناء‭ ‬والنماء،‭ ‬ليعزز‭ ‬النوم‭ ‬العميق‭ ‬الرافع‭ ‬لمستوى‭ ‬المناعة،‭ ‬ويعيد‭ ‬التوازن‭ ‬الفسيولوجي‭ ‬وينشط‭ ‬جينات‭ ‬إصلاح‭ ‬الخلايا،‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الشفاء‭ ‬المفعل‭ ‬فقط‭ ‬بعودة‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬البوصلة‭ ‬الربانية،‭ ‬تلك‭ ‬العودة‭ ‬تكمن‭ ‬بتفعيل‭ ‬التقنية‭ ‬العلمية‭ ‬VMG،‭ ‬V‭ ‬هي‭ ‬Highest Value‭ ‬أي‭ ‬القيمة‭ ‬الذاتية‭ ‬العليا،‭ ‬M‭ ‬هو‭ ‬Mind‭ ‬أي‭ ‬العقل،‭ ‬وG‭ ‬هو‭ ‬Goal‭ ‬أي‭ ‬الهدف،‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬الذات‭.‬