الإطار القانوني والمالي لاحتواء أزمة كورونا على عقود المقاولات “الفيديك”

| د. محمد رضا منصور بوحسين

لعل‭ ‬أهم‭ ‬القطاعات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬هو‭ ‬قطاع‭ ‬المقاولات‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬عملية‭ ‬البناء‭ ‬والتنمية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬هامة‭ ‬بالبنية‭ ‬التحتية‭ ‬وبعضها‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬حساسة‭ ‬والأخرى‭ ‬مشروعات‭ ‬مرفقية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدولة،‭ ‬ومجيء‭ ‬جائحة‭ ‬“كورونا”‭ ‬الصادم‭ ‬ذو‭ ‬الطابع‭ ‬المزدوج‭ ‬وهو‭: ‬الوباء‭ ‬ذاته‭ ‬وما‭ ‬تبعه‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬احترازية‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬العمال‭ ‬وسير‭ ‬العمل‭ ‬ومنظومة‭ ‬التمويل‭ ‬والتوريد‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهذه‭ ‬العقود‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقود‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬أمر‭ ‬مرهق‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأداء‭ ‬والأضرار‭.‬

وتعتبر‭ ‬عقود‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬للمهندسين‭ ‬الاستشاريين‭ (‬فيديك‭) ‬من‭ ‬أهم‭ ‬العقود‭ ‬الهندسية‭ ‬وأكثرها‭ ‬ممارسة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬المقاولات؛‭ ‬لأنها‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬تحديد‭ ‬حقوق‭ ‬والتزامات‭ ‬الأطراف‭ ‬بدقة‭ ‬وتوازن‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬فإنها‭ ‬تضمنت‭ ‬الأسس‭ ‬الفنية‭ ‬والهندسية‭ ‬لأعمال‭ ‬البناء‭ ‬وفق‭ ‬شروط‭ ‬دولية،‭ ‬وهي‭ ‬عقود‭ ‬متنوعة‭ ‬يكمل‭ ‬بعضها‭ ‬بعضًا‭ ‬تتضمن‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬المقاييس‭ ‬الهندسية‭ ‬المعتمدة‭ ‬عالميًا،‭ ‬ومنها‭ ‬عقد‭ ‬الفيديك‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬شروط‭ ‬البناء‭ (‬الكتاب‭ ‬الأحمر‭) ‬وعقد‭ ‬الفيديك‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬شروط‭ ‬البناء‭ ‬والتصميم‭ (‬الكتاب‭ ‬الأصفر‭) ‬وعقد‭ ‬الفيديك‭ ‬الخاص‭ ‬بشروط‭ ‬المشروعات‭ ‬الجاهزة‭ (‬الكتاب‭ ‬الفضي‭) ‬وعقد‭ ‬الفيديك‭ ‬الخاص‭ ‬بالعقود‭ ‬القصيرة‭ (‬الكتاب‭ ‬الأخضر‭) ‬وكل‭ ‬منها‭ ‬له‭ ‬خصائصه‭ ‬ومقاييسه‭ ‬وطبيعته‭ ‬القانونية‭.‬

وعقد‭ ‬الفيديك‭ ‬يعتبر‭ ‬عقدا‭ ‬كسائر‭ ‬العقود‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتنفيذ‭ ‬العقد‭ ‬وبالمعوقات‭ ‬والأحداث‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬تنفيذه،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬يحيل‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬القوانين‭ ‬الوطنية‭ ‬محل‭ ‬التنفيذ‭.‬

ويمكن‭ ‬معالجة‭ ‬آثار‭ ‬جائحة‭ ‬“كورونا”‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬بالمادة‭ (‬19‭) ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الأحمر‭ ‬1999‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬“القوة‭ ‬القاهرة”‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬“الأحداث‭ ‬الاستثنائية”‭ ‬بالكتاب‭ ‬الأحمر‭ ‬2017‭.‬

 

الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬المطلوبة‭ ‬لاحتواء‭ ‬ومعالجة‭ ‬الضرر

 

‭- ‬المبادرة‭ ‬الفورية‭ ‬إلى‭ ‬إخطار‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬بتحقيق‭ ‬الظروف‭ ‬الاستثنائية‭ ‬وفق‭ ‬قواعد‭ ‬2017‭ ‬“فيديك”،‭ ‬أو‭ ‬القوة‭ ‬القاهرة‭ ‬وفق‭ ‬قواعد‭ ‬فيديك‭ ‬1999،‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬المواعيد‭ ‬المحددة‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إليها‭ ‬العقود‭.‬

‭- ‬مراجعة‭ ‬بنود‭ ‬العقد‭ ‬بدقة‭ ‬وعناية‭ ‬واختيار‭ ‬ما‭ ‬توفره‭ ‬من‭ ‬ضمانات‭ ‬قانونية‭ ‬ومساحات‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬معالجة‭ ‬المعوقات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقد‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬توظيفها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تمديد‭ ‬العقد‭ ‬مع‭ ‬التعويض،‭ ‬وعلى‭ ‬الشركة‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬توافر‭ ‬حالة‭ ‬القوة‭ ‬القاهرة‭ ‬وفقا‭ ‬لقواعد‭ ‬فيديك‭ ‬1999‭ ‬أو‭ ‬تحقق‭ ‬شروط‭ ‬الظروف‭ ‬الاستثنائية‭ ‬وفقا‭ ‬لقواعد‭ ‬فيديك‭ ‬2017‭. ‬

‭- ‬مراجعة‭ ‬قانون‭ ‬تنظيم‭ ‬المناقصات‭ ‬والمشتريات‭ ‬الحكومية،‭ ‬حيث‭ ‬توفر‭ ‬بعض‭ ‬نصوصه‭ ‬حماية‭ ‬للمتعاقد‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭.‬

‭- ‬القيام‭ ‬بشكل‭ ‬فوري‭ ‬باتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقد‭ ‬والتنظيم‭ ‬المالي‭ ‬للمدفوعات،‭ ‬وأن‭ ‬تقوم‭ ‬الشركات‭ ‬بمراجعة‭ ‬وسائل‭ ‬التمويل‭ ‬مع‭ ‬البنوك‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬تدفقاتها‭ ‬المالية،‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬الشركات‭ ‬مع‭ ‬البنوك‭ ‬الممولة‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وفق‭ ‬تسهيلات‭ ‬بنكية‭ ‬محددة‭ ‬المدة‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬للبنك‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقد‭ ‬أو‭ ‬إنهائه،‭ ‬أما‭ ‬التسهيلات‭ ‬غير‭ ‬محددة‭ ‬المدة‭ ‬فإنه‭ ‬يجوز‭ ‬للبنك‭ ‬إنهاء‭ ‬العقد‭ ‬بإخطار‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬وفق‭ ‬قيود‭ ‬وقواعد‭ ‬ومنها‭ ‬حسن‭ ‬النية‭ ‬وعدم‭ ‬الإنهاء‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬غير‭ ‬مناسب‭.‬

‭- ‬أما‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬معقدة‭ ‬الأبعاد،‭ ‬وأن‭ ‬استمرارها‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كرونا‭ ‬يحمل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحفظات،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكنها‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬المقررة‭ ‬بقانون‭ ‬إعادة‭ ‬التنظيم‭ ‬والإفلاس‭ ‬رقم‭ (‬22‭) ‬لسنة‭ ‬2018،‭ ‬حيث‭ ‬تضمن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬للشركات‭ ‬وتمنحها‭ ‬الفرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬جدولة‭ ‬المديونيات؛‭ ‬للتمكن‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬أعمالها‭ ‬التجارية‭ ‬وحماية‭ ‬كيانها‭ ‬القانوني‭ ‬من‭ ‬الإفلاس‭.‬