بطاقة الأداء المتوازن والمستمر

| رائد البصري

“ما‭ ‬يمكن‭ ‬قياسه‭ ‬يمكن‭ ‬إنجازه‭ ‬What Gets Measured Gets Done”‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬المفكر‭ ‬الأميركي‭ ‬توم‭ ‬بيترز،‭ ‬وهذا‭ ‬المعيار‭ ‬البسيط‭ ‬للأداء‭ ‬مُفتقد‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والخدمية،‭ ‬حيث‭ ‬مقاييس‭ ‬الأداء‭ ‬المعتمدة‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬لديها‭ ‬وتزخر‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قياسه،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أفقد‭ ‬عملية‭ ‬تطوير‭ ‬الأداء‭ ‬من‭ ‬مضمونها‭ ‬وأهدافها‭ ‬وطريقة‭ ‬عملها‭.‬

حاليا‭ ‬تستخدم‭ ‬بطاقة‭ ‬الأداء‭ ‬المتوازن‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬لمواءمة‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬أية‭ ‬مؤسسة‭ ‬أو‭ ‬شركة‭ ‬مع‭  ‬تطابق‭ ‬رؤيتها‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراقبة‭ ‬وقياس‭ ‬مناظير‭ ‬أربعة‭ ‬حسب‭ ‬الأقسام‭ ‬المتخصصة،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

المنظور‭ ‬المالي‭: ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬مؤسسة‭ ‬أن‭ ‬تتجاهل‭ ‬الجوانب‭ ‬المالية‭ ‬والبيانات‭ ‬المالية،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصها‭ ‬في‭ ‬مقياس‭ ‬الربحية‭ ‬المتواخاة،‭ ‬كأن‭ ‬تستهدف‭ ‬الشركة‭ ‬نسبة‭ ‬ربحية‭ ‬10‭ % ‬ربحا‭ ‬صافيا‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الصرف‭ ‬والإيرادات‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬15‭ % ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العائد‭ ‬من‭ ‬الاستثمار‭ ‬أو‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬تدفق‭ ‬نقدي‭ ‬بمستوى‭ ‬محدد،‭ ‬أو‭ ‬منع‭ ‬تراكم‭ ‬الديون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬أشهر‭.‬

منظور‭ ‬التعلمي‭ ‬والنمو‭: ‬يتضمن‭ ‬هذا‭ ‬المنظور‭ ‬مدى‭ ‬اهتمام‭ ‬المؤسسة‭ ‬بتدريب‭ ‬الموظفين‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬الداعمة،‭ ‬وثقافة‭ ‬المؤسسة‭ ‬المتصلة‭ ‬بتحسين‭ ‬قدرات‭ ‬العاملين،‭ ‬مثلا‭ ‬10‭ % ‬من‭ ‬أوقات‭ ‬العمل‭ ‬مخصصة‭ ‬للتدريب،‭ ‬وأن‭ ‬يشارك‭ ‬كل‭ ‬عامل‭ ‬بفكرتين‭ ‬شهريا‭ ‬لتطوير‭ ‬مجال‭ ‬عملة‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المساهمة‭ ‬والمشاركة‭ ‬الفعالة،‭ ‬ويمكن‭ ‬استغلال‭ ‬الفضاء‭ ‬الافتراضي‭ ‬لتوسيع‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬حاضر‭.‬

منظور‭ ‬العمليات‭ ‬الإدارية‭ ‬والتشغيلية‭: ‬يشير‭ ‬هذا‭ ‬المنظور‭ ‬إلى‭ ‬العمليات‭ ‬الداخلية‭ ‬لإدارة‭ ‬وتشغيل‭ ‬عمل‭ ‬المؤسسة،‭ ‬وتحديد‭ ‬مقاييس‭ ‬للتأكد‭ ‬إن‭ ‬المنتجات‭ ‬والخدمات‭ ‬تطابق‭ ‬الجودة،‭ ‬مثلا‭ ‬كأن‭ ‬يكون‭ ‬الهدف‭ ‬تخفيض‭ ‬مدة‭ ‬الانتظار‭ ‬في‭ ‬تمرير‭ ‬المعاملة‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬إلى‭ ‬ساعتين‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير،‭ ‬وخفض‭ ‬الأخطاء‭ ‬التشيغلية‭ ‬بنسبة‭ ‬50‭ % ‬عن‭ ‬مستواها‭ ‬السابق‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭  ‬بجودة‭ ‬وكفاءة‭ ‬مناسبتين‭. ‬

منظور‭ ‬خدمة‭ ‬الزبائن‭: ‬وهذا‭ ‬الجانب‭ ‬يوضح‭ ‬مدى‭ ‬اهتمام‭ ‬المؤسسة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬رضا‭ ‬الزبائن،‭  ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الرضا‭ ‬“مع‭ ‬قلة‭ ‬الشكاوى”‭ ‬مثلا‭ ‬تسريع‭ ‬عملية‭ ‬التوزيع‭ ‬بـ‭ ‬15‭ % ‬مقارنة‭ ‬بالسنة‭ ‬المنصرمة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تقليل‭ ‬الكلفة‭ ‬والأسعار‭ ‬بـ‭ ‬20‭ % ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بجودة‭ ‬الخدمة‭ ‬مع‭ ‬خفض‭ ‬شكاوى‭ ‬الزبائن‭ ‬إلى‭ ‬صفر‭ ‬على‭ ‬أبعد‭ ‬تقدير‭ ‬لو‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬نمودج‭ ‬تطبيقي”‭ ‬خدمة‭ ‬الصيدلية‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬البحرينية”‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إيصال‭ ‬الوصفات‭ ‬الطبية‭ ‬إلى‭ ‬المرضى‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬عبر‭ ‬حجز‭ ‬مواعيد‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحكومة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬الإسهام‭ ‬بتحقيق‭ ‬رضا‭ ‬العملاء‭ ‬وإسعادهم‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل؛‭ ‬نظرا‭ ‬للساعات‭ ‬التي‭ ‬يقضيها‭ ‬المريض‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ينوب‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الانتظار‭ ‬سابقا‭.‬

تشير‭ ‬بعض‭ ‬الإحصاءات‭ ‬حاليا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ % ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الأميركية‭ ‬والأوروبية‭ ‬الكبرى‭ ‬قد‭ ‬اعتمدت‭ ‬إطار‭ ‬“بطاقة‭ ‬الأداء‭ ‬المتوازن”،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬تزايدا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭  ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬“التميز‭ ‬في‭ ‬الأداء”‭ ‬لمساعدة‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬القيام‭ ‬به‭. ‬إذا‭ ‬ليس‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬المقاييس‭ ‬المالية‭ ‬التقليدية‭ ‬فحسب‭ ‬لتحقيق‭ ‬مردودات‭ ‬مباشرة،‭ ‬وإنما‭ ‬الأهم‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬الأخرى؛‭ ‬لأن‭ ‬البُعد‭ ‬المالي‭ ‬لا‭ ‬يستمر‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭. ‬وتعود‭ ‬فكرة‭ ‬“بطاقة‭ ‬الأداء‭ ‬المتوازن”‭ ‬ويقصد‭ ‬بها‭ ‬نمودج‭ ‬الاصطفاف‭ ‬وهو‭ ‬تكوين‭ ‬جهود‭ ‬مشتركة‭ ‬داخل‭ ‬الشركة،‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬بحوث‭ ‬أجراها‭ ‬الخبيران‭ ‬روبرت‭ ‬كبلان‭ ‬وديفيد‭ ‬نورتون،‭ ‬وتم‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬هارفرد‭ ‬بيزنيس‭ ‬ريفيو‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الادارة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬العام‭ ‬1992‭.‬