وَخْـزَةُ حُب

ما بعد كورونا؟!

| د. زهرة حرم

تتحدث‭ ‬أكثر‭ ‬البرامج‭ ‬والمقالات‭ ‬–‭ ‬مؤخرًا‭ ‬–‭ ‬عبر‭ ‬مختلف‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬العالمية،‭ ‬حول‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬“مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا”،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التشبع‭ (‬الإعلامي‭) ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬ذروتها،‭ ‬حول‭ ‬مناقشة‭ ‬كيفية‭ ‬انتشار‭ ‬الفيروس،‭ ‬ووسائل‭ ‬الوقاية‭ ‬والعلاج،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬رافقها‭ ‬من‭ ‬صِدامات‭ ‬حول‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬والنظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يمتشق‭ ‬حصانه،‭ ‬ويأذن‭ ‬بحلول‭ ‬أوانه‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭! ‬وقد‭ ‬استطاعت‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬أن‭ ‬تُحدِث‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التشكيك،‭ ‬والتشويش،‭ ‬والإرباك،‭ ‬حول‭ ‬ماهية‭ ‬الحدث،‭ ‬وحيثياته،‭ ‬ومصادره،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجلبة‭ ‬الإعلامية‭ ‬وما‭ ‬يحمله‭ ‬–‭ ‬بعضها‭ - ‬من‭ ‬بعد‭ ‬سياسي،‭ ‬تظل‭ ‬هامشية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قُورنت‭ ‬بالمرض‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬في‭ ‬بلداننا،‭ ‬وعلى‭ ‬مقربة‭ ‬منا؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬جلّ‭ ‬اهتمامنا‭ ‬مُنصبٌ‭ ‬نحو‭ ‬أنفسنا،‭ ‬وكيف‭ ‬نحميها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬“الزوبعة”،‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬“فقاعات‭ ‬تهويلية”‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬أعراضًا‭ ‬مرضية‭!‬

يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬“مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا”‭ ‬–‭ ‬الآن‭ - ‬وهذا‭ ‬يثير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سؤال‭: ‬هل‭ ‬قاربت‭ ‬المرحلة‭ ‬الكورونية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نعيش‭ ‬أحداثها‭ ‬على‭ ‬الانتهاء؟‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬لغة‭ ‬تطمينية،‭ ‬تشي‭ ‬بواقع‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الفيروس‭ ‬في‭ ‬المختبرات‭ ‬العلمية،‭ ‬ونجاح‭ ‬كشفي‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التعميم؛‭ ‬بحيث‭ ‬ينقلنا‭ ‬–‭ ‬سريعًا‭ ‬–‭ ‬نحو‭ ‬المراحل‭ ‬اللاحقة؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬باغتته‭ ‬الكورونا‭ ‬فجأة،‭ ‬فكشفت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عوراته،‭ ‬وادعاءاته،‭ ‬ولاسيما‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمؤشرات‭ ‬التنمية‭ ‬المرتفعة،‭ ‬قد‭ ‬تنبه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عليه‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬البطولة‭ ‬في‭ ‬استباق‭ ‬الأحداث؟‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انتقادات‭ ‬لاذعة‭ ‬له،‭ ‬حول‭ ‬عدم‭ ‬الاستعداد‭ ‬والجاهزية‭ ‬لإدارة‭ ‬الأزمات،‭ ‬والكوارث،‭ ‬التي‭ ‬يأتي‭ ‬وباء‭ ‬الكورونا،‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬صورها‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحالي‭.‬

إنْ‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬انتبه‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬الجاهزية،‭ ‬والتأهب،‭ ‬وانطلق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬السياق؛‭ ‬فهذا‭ ‬أمر‭ ‬محمود،‭ ‬ومرغوب‭ ‬فيه،‭ ‬نعم؛‭ ‬داهمتنا‭ ‬الكورونا‭ ‬فجأة،‭ ‬وأثارت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإشكاليات،‭ ‬والتحديات،‭ ‬كأزمة‭ ‬هبت‭ ‬كإعصار‭ ‬جارف،‭ ‬وتطلبت‭ ‬الحلول‭ ‬السريعة‭: ‬في‭ ‬الاستيعاب،‭ ‬والتقبل،‭ ‬والاحتواء،‭ ‬والعلاج،‭ ‬لكنها‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬–‭ ‬تبقى‭ ‬حلولًا‭ ‬مُسايرة‭ ‬للحدث،‭ ‬مُساوقة‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬متزامنة،‭ ‬فما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مُقترنة‭ ‬بتفكير‭ ‬مرن،‭ ‬مُنفتح،‭ ‬مُبتكر،‭ ‬مُتسع‭ ‬للقادم،‭ ‬مُخطط‭ ‬للمستقبل؛‭ ‬سنظل‭ ‬نُلصق‭ ‬الضمادات‭ ‬على‭ ‬السطح،‭ ‬ونترك‭ ‬العمق‭ ‬يَمور‭ ‬في‭ ‬جراحه‭.‬

إنْ‭ ‬كان‭ ‬الحديث‭ ‬حول‭ ‬“مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الكورونا”،‭ ‬يعني‭ ‬تلافي‭ ‬التغييرات‭ ‬المفاجئة،‭ ‬والنجاة‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬متوقع،‭ ‬أو‭ ‬صادم،‭ ‬وتحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الاستعداد‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬كافة؛‭ ‬فأهلا‭ ‬وسهلا‭ ‬به،‭ ‬وإنْ‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬نقاش‭ ‬إعلامي،‭ ‬هدفه‭ ‬تغيير‭ ‬الموجة‭ (‬من‭ ‬نظرية‭ ‬لأخرى‭)‬،‭ ‬لكيلا‭ ‬يملّ‭ ‬الجمهور‭ ‬أو‭ ‬تتصدع‭ ‬رؤوسهم‭ ‬من‭ ‬الترديد‭ ‬والتكرير؛‭ ‬فهذا‭ ‬إسفاف‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬منه‭ ‬ولا‭ ‬طائل،‭ ‬ولا‭ ‬يُمتع‭ ‬إلا‭ ‬أصحاب‭ ‬المغامرات،‭ ‬والدراما‭ ‬السينمائية،‭ ‬والقصص‭ ‬البوليسية‭... ‬نرجو‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬كذلك‭.‬