رؤيا مغايرة

إلى والدي الذي رحل في صمت

| فاتن حمزة

ما‭ ‬أقسى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يفقد‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬عزيزا،‭ ‬فكيف‭ ‬بباب‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬الجنة،‭ ‬ولولا‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬علينا‭ ‬بالصبر‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬عن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭: ‬“إِنَّ‭ ‬الصَّبْرَ‭ ‬يأتي‭ ‬مِنَ‭ ‬اللهِ‭ ‬على‭ ‬قدرِ‭ ‬البلاءِ”،‭ ‬لتلفت‭ ‬أنفسنا‭ ‬برحيلهم،‭ ‬رحلت‭ ‬يا‭ ‬والدي‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬بينما‭ ‬كنا‭ ‬نلهث‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬أشغلتنا‭ ‬أحيانا‭ ‬عنك،‭ ‬وكأني‭ ‬أسمع‭ ‬صوتك‭ ‬حيث‭ ‬كنت‭ ‬تنادي‭ ‬كم‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬تكونوا‭ ‬حولي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أكحل‭ ‬عيني‭ ‬برؤيتكم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أرحل‭ ‬عنكم‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

رحلت‭ ‬عني‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬علمتني‭ ‬معنى‭ ‬الحياة‭ ‬بأخذك‭ ‬بيدي‭ ‬على‭ ‬دروبها،‭ ‬فكم‭ ‬رأيتك‭ ‬في‭ ‬ضيقي‭ ‬وفرحي،‭ ‬تعاتبني‭ ‬إن‭ ‬أخطأت،‭ ‬وتأخذ‭ ‬بيدي‭ ‬إذا‭ ‬تعثرت،‭ ‬وتمسح‭ ‬على‭ ‬رأسي‭ ‬إذا‭ ‬أحسنت،‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬دموع‭ ‬ذرفت‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يحزنني‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسعدني،‭ ‬قلب‭ ‬صغير‭ ‬حساس‭ ‬وبريء‭ ‬يبكي‭ ‬كالطفل‭ ‬على‭ ‬حالاتي‭ ‬حزنا‭ ‬وفرحا‭ ‬وفخرا‭.‬

رحلت‭ ‬عني‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬وتركتني‭ ‬دون‭ ‬قلب‭ ‬لطالما‭ ‬كان‭ ‬مأوى‭ ‬لي‭ ‬وقوة‭ ‬كانت‭ ‬سندا‭ ‬لي‭... ‬يد‭ ‬كم‭ ‬سأشتاق‭ ‬للمساتها‭ ‬وحنانها‭. ‬رحلت‭ ‬عني‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬وتركتني‭ ‬أتألم‭ ‬على‭ ‬رحيلك،‭ ‬والدي‭ ‬لن‭ ‬تعود‭ ‬ولن‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬يأخذ‭ ‬مكانك‭ ‬ومكانتك،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬لي‭ ‬رمزا‭ ‬للحب‭ ‬والأمان‭ ‬والاحتواء‭. ‬ماذا‭ ‬أقول‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استجبت‭ ‬للنداءات‭ ‬الربانية،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬بيدي‭ ‬لسجلت‭ ‬كل‭ ‬أيامي‭ ‬باسمك‭. ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬الآن‭ ‬سوى‭ ‬الكلمات‭ ‬والدعاء‭ ‬أن‭ ‬يملأ‭ ‬قبرك‭ ‬بالرضا‭ ‬والنور‭ ‬والفسحة‭ ‬وأن‭ ‬يجعله‭ ‬روضة‭ ‬من‭ ‬رياض‭ ‬الجنة‭. ‬

يسألون‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬الحزن‭ ‬في‭ ‬عيني؟‭ ‬ألم‭ ‬يدركوا‭ ‬أن‭ ‬فقدان‭ ‬الأب‭ ‬يقتل‭! ‬فسلام‭ ‬عليك‭ ‬مقدار‭ ‬ما‭ ‬رحمتنا‭ ‬وسترتنا‭ ‬ومقدار‭ ‬ما‭ ‬أحببناك‭ ‬وافتقدناك‭ ‬وبكيناك،‭ ‬وأسأل‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ممن‭ ‬قال‭ ‬فيهم‭: (‬وَالمَلاَئِكَةُ‭ ‬يَدْخُلُونَ‭ ‬عَلَيْهِم‭ ‬مِّن‭ ‬كُلِّ‭ ‬بَابٍ‭ * ‬سَلاَمٌ‭ ‬عَلَيْكُم‭ ‬بِمَا‭ ‬صَبَرْتُمْ‭ ‬فَنِعْمَ‭ ‬عُقْبَى‭ ‬الدَّارِ‭). ‬رحمك‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬والدي‭. ‬ستكون‭ ‬حاضراً‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭ ‬رغم‭ ‬رحيلك‭.. ‬وكم‭ ‬للعين‭ ‬من‭ ‬وحشة‭.‬