التحكيم وكورونا فيروس

| د. عبدالقادر ورسمه

يعتبر‭ ‬التحكيم‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬بدائل‭ ‬تسوية‭ ‬المنازعات،‭ ‬ويتم‭ ‬اللجوء‭ ‬له‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬المحاكم‭. ‬والتحكيم‭ ‬موجود‭ ‬منذ‭ ‬الأزل،‭ ‬والآن‭ ‬أصبح‭ ‬صناعة‭ ‬ثابتة‭ ‬الأركان‭ ‬ونافذة‭ ‬الأحكام‭. ‬وللتحكيم،‭ ‬عدة‭  ‬أركان‭ ‬أساسية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬توفرها‭ ‬ليستقر‭ ‬التحكيم‭ ‬ويصبح‭ ‬نافذ‭. ‬وما‭ ‬يهمنا،‭ ‬“سرعة‭ ‬الفصل”‭ ‬لتكون‭ ‬العدالة‭ ‬ناجزة‭ ‬يشعر‭ ‬المظلوم‭ ‬بطعمها‭ ‬في‭ ‬حينه‭. ‬والسرعة،‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬المجال‭ ‬للتحكيم‭ ‬ليكون‭ ‬بديلا‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬المنازعات‭. ‬

ولتثبيت‭ ‬أركان‭ ‬السرعة،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬قوانين‭ ‬التحكيم‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬صدور‭ ‬قرار‭ ‬التحكيم‭ ‬النهائي‭ ‬خلال‭ ‬مدة‭ ‬قصيرة‭. ‬ونظام‭ ‬مركز‭ ‬التحكيم‭ ‬التجاري‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬بالبحرين‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬صدور‭ ‬الحكم‭ ‬خلال‭ ‬مدة‭ ‬أقصاها 100 ‬يوم‭. ‬ونظام‭ ‬غرفة‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬بباريس،‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬مدة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز 6 ‬أشهر‭. ‬بالطبع،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬قوية‭ ‬تحول‭ ‬وبموجبها‭ ‬يوافق‭ ‬الأطراف‭ ‬وهيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬المدة‭ ‬المحددة‭. ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬الجوهرية،‭ ‬الخاصة‭ ‬بسرعة‭ ‬الفصل،‭ ‬فان‭ ‬قوانين‭ ‬التحكيم‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬الطعن‭ ‬بالنقض‭ ‬لـ‭ ‬“بطلان”‭ ‬حكم‭ ‬التحكيم‭ ‬اذا‭ ‬تجاوز‭ ‬المدة‭ ‬المقررة‭. ‬وصدرت‭ ‬سوابق‭ ‬قضائية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬وتم‭ ‬ابطال‭ ‬حكم‭ ‬التحكيم‭ ‬لتجاوز‭ ‬المدة،‭ ‬باعتباره‭ ‬يخالف‭ ‬القانون‭ ‬والنظام‭ ‬العام‭. ‬لذا،‭ ‬هناك‭ ‬الزام‭ ‬قانوني‭ ‬واجرائي،‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬لضبط‭ ‬العمل‭ ‬بحنكة‭ ‬واقتدار‭ ‬وفق‭ ‬الزمن‭ ‬المحدد‭.‬

ومع‭ ‬كورونا‭ ‬فيروس،‭ ‬هل‭ ‬يتم‭ ‬التباطؤ‭ ‬وعدم‭ ‬التقيد‭ ‬بالمدة‭ ‬نظرا‭ ‬للأوضاع‭ ‬الطارئة‭ ‬والظروف‭ ‬القاهرة‭. ‬ومنها‭ ‬التعليمات‭ ‬بالعمل‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬وتقليل‭ ‬الاجتماعات‭. ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الركن‭ ‬الخاص‭ ‬بسرعة‭ ‬الفصل‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬الأركان‭ ‬الرئيسية‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬عليها‭ ‬التحكيم‭. ‬والقاعدة،‭ ‬الالتزام‭ ‬بالمدة‭ ‬المقررة‭. ‬وعلى‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬والأطراف‭ ‬الالتزام‭ ‬بالمدة‭ ‬المقررة‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مستجدات‭ ‬لزيادة‭ ‬المدة،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬قوية‭ ‬تستدعي‭ ‬مد‭ ‬المدة‭. ‬

ونلاحظ‭ ‬وجود‭ ‬نص‭ ‬يتضمنه‭ ‬نظام‭ ‬مركز‭ ‬التحكيم‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬بالبحرين،‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ظروف‭ ‬قاهرة‭ ‬تتعلق‭ ‬بأي‭ ‬محكم‭ ‬يجوز‭ ‬تعيين‭ ‬محكم‭ ‬بديل‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬يتضح،‭ ‬أن‭ ‬حدوث‭ ‬الظروف‭ ‬الطارئة‭ ‬أو‭ ‬القاهرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬التحكيم‭ ‬والفصل‭ ‬خلال‭ ‬المدة‭.   ‬

الأوضاع‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬قد‭ ‬تقود‭ ‬البعض‭ ‬للمطالبة‭ ‬بتأجيل‭ ‬الاجتماعات‭ ‬ووقف‭ ‬العمل‭. ‬ولكن،‭ ‬للتحيكم‭ ‬أركان‭ ‬خاصة‭ ‬يجب‭ ‬التقيد‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأوقات،‭ ‬وللدرجة‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬وفق‭ ‬الضوابط‭ ‬الطبية‭ ‬والادارية‭ ‬وعدم‭ ‬مخالفتها‭. ‬وعلى‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬تفهم‭ ‬الوضع‭ ‬وهناك‭ ‬دور‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم،‭ ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬سير‭ ‬التحكيم‭ ‬والضوابط‭ ‬الطبية،‭ ‬والعمل‭ ‬الجاد‭ ‬للتوفيق‭ ‬بينهما‭ ‬وعدم‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬لمن‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬تعطيل‭ ‬التحكيم‭. ‬ودور‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬هام‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬مع‭ ‬تهيئة‭ ‬العمل‭ ‬وفق‭ ‬المستجدات‭ ‬لكل‭ ‬حالة‭.   ‬