التعايش بين الأديان... من قيمنا

| زهير توفيقي

وردني‭ ‬فيديو‭ ‬تم‭ ‬تداوله‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عن‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬كنيسة‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الألمانية‭ ‬برلين‭ ‬للمصلين‭ ‬المسلمين‭ ‬لأداء‭ ‬فرائضهم‭ ‬شريطة‭ ‬الالتزام‭ ‬بالتعليمات‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭.‬

وبلاشك‭ ‬هذا‭ ‬الفيديو‭ ‬لقي‭ ‬صدا‭ ‬إيجابيا‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬خصوصا‭ ‬أنه‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬العالم‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬“رب‭ ‬ضارة‭ ‬نافعة”،‭ ‬نعم‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬الرائعة‭ ‬والذكية‭ ‬تعتبر‭ ‬ضربة‭ ‬معلم‭ ‬تحسب‭ ‬للقائمين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الكنيسة‭ ‬والمسيحيين‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية‭ ‬التي‭ ‬أنزلت‭ ‬لتتعايش‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬بكل‭ ‬احترام‭ ‬وحب‭.‬

وأفضل‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تأكيد‭ ‬مليكنا‭ ‬المفدى‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬وأهميته‭ ‬للمواطنين‭ ‬والمقيمين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة،‭ ‬وترجم‭ ‬جلالته‭ ‬قوله‭ ‬بالأفعال‭ ‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬أمره‭ ‬الملكي‭ ‬السامي‭ ‬رقم‭ ‬“15”‭ ‬لسنة‭ ‬2018‭ ‬بإنشاء‭ ‬مركز‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬العالمي‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬برئاسة‭ ‬الشيخ‭ ‬الدكتور‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬خليفة‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭.‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المركز‭ ‬وحسب‭ ‬متابعتي‭ ‬لأنشطته‭ ‬المختلفة‭ ‬يقوم‭ ‬بجهود‭ ‬حثيثة‭ ‬ومضنية‭ ‬لترجمة‭ ‬تطلعات‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬للتقارب‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب،‭ ‬وقطع‭ ‬شوطًا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤه،‭ ‬وفي‭ ‬اعتقادي‭ ‬الشخصي‭ ‬أمام‭ ‬المركز‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬مملكتنا‭ ‬الحبيبة‭ ‬تميزت‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها‭ ‬العريق‭ ‬بنشر‭ ‬قيم‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬والتسامح‭ ‬وسعيها‭ ‬الدائم‭ ‬لمد‭ ‬جسور‭ ‬التواصل‭ ‬وتعزيز‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الثقافات‭ ‬والأديان‭. ‬أرى‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬الشخصية‭ ‬والمتواضعة‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬المركز‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إدراج‭ ‬أهداف‭ ‬ورؤى‭ ‬المركز‭ ‬في‭ ‬مناهج‭ ‬تدرس‭ ‬في‭ ‬مدارسنا‭ ‬من‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭.‬

إن‭ ‬غرس‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬والقيم‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬وجهود‭ ‬كبيرة،‭ ‬حيث‭ ‬يتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬تغييرا‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تفكيرنا‭ ‬وزرع‭ ‬ثقافة‭ ‬تقبل‭ ‬الأديان‭ ‬والطوائف‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬التنويري‭ ‬المعتدل‭ ‬لنثبت‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬التسامح‭ ‬والمحبة‭ ‬والمغفرة‭ ‬والسلام‭. ‬وللتسامح‭ ‬قيمة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬فهو‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬السماحة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬ومساواة‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬تفوق‭ ‬جنسي‭ ‬أو‭ ‬تمييز‭ ‬عنصري،‭ ‬والإسلام‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بجميع‭ ‬الديانات،‭ ‬والتسامح‭ ‬يعني‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالآخر‭ ‬ويعني‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬الأساسية‭ ‬للآخرين،‭ ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه،‭ ‬هل‭ ‬نملك‭ ‬الجرأة‭ ‬لفتح‭ ‬أبواب‭ ‬جوامعنا‭ ‬للأديان‭ ‬الأخرى‭ ‬إذا‭ ‬دعت‭ ‬الحاجة‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬تلك‭ ‬الكنيسة‭ ‬في‭ ‬برلين؟‭ ‬تقبل‭ ‬الله‭ ‬صيامكم‭ ‬وقيامكم‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بألف‭ ‬خير‭.‬