مواقف إدارية

كان عرضا سخيا ولكن ..

| أحمد البحر

كنت‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬عمل‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬المعروفة‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬أحد‭ ‬الموظفين‭ ‬مكتب‭ ‬نائب‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬معه‭ ‬حينها‭ ‬لإنهاء‭ ‬إجراءات‭ ‬بدء‭ ‬العمل،‭ ‬كان‭ ‬الموظف‭ ‬يستفسر‭ ‬عن‭ ‬طلبه‭ ‬حضور‭ ‬دورة‭ ‬تدريبية‭ ‬والذي‭ ‬قام‭ ‬النائب‭ ‬بإرساله‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬موافقته‭.‬

استوقفني‭ ‬ذلك‭ ‬المشهد‭ ‬وجعلني‭ ‬أتردد‭ ‬في‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬ذاك‭ ‬العقد‭ ‬رغم‭ ‬الامتيازات‭ ‬السخية‭ ‬والراتب‭ ‬المغري،‭ ‬بل‭ ‬إني‭ ‬اعتذرت‭ ‬عن‭ ‬قبول‭ ‬العرض‭ ‬لاحقا‭. ‬ربما‭ ‬خمّنت‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ‭ ‬سبب‭ ‬تراجعي‭ ‬عن‭ ‬قبول‭ ‬ذلك‭ ‬العرض‭. ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وكما‭ ‬قلت‭ ‬آنفا‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬عرضا‭ ‬سخيا،‭ ‬ولكني‭ ‬صدمت‭ ‬بسياسة‭ ‬المؤسسة‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬وتفويض‭ ‬الصلاحيات‭ ‬والأوامر‭ ‬الإدارية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالمنصب،‭ ‬فها‭ ‬هو‭ ‬نائب‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لايملك‭ ‬السلطة‭ ‬والصلاحيات‭ ‬للبت‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬بسيط‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬حضور‭ ‬موظف‭ ‬لدورة‭ ‬تدريبية‭ ‬داخلية‭ ‬مدتها‭ ‬يومان‭ ‬كما‭ ‬عرفت‭.‬

قلت‭ ‬لنفسي‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬هكذا‭ ‬مع‭ ‬النائب‭ ‬فماذا‭ ‬سيكون‭ ‬الوضع‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬قبولي‭ ‬لوظيفة‭ ‬مدير؟‭. ‬أعتقد‭ ‬بأنه‭ ‬سيكون‭ ‬مراسلا‭ ‬بدرجة‭ ‬مدير،‭ ‬فالمنصب‭ ‬بدون‭ ‬سلطة‭ ‬أو‭ ‬صلاحيات‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬هو‭ ‬مثل‭ ‬البالون‭ ‬الملوّن،‭ ‬المظهر‭ ‬جذاب‭ ‬والباطن‭ ‬خواء‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسة‭ ‬مغرم‭ ‬بسياسة‭ ‬الإدارة‭ ‬المستبدة،‭ ‬وهي‭ ‬أحد‭ ‬أنماط‭ ‬القيادة‭ ‬فيه‭ ‬يتحكم‭ ‬المسؤول‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أمور‭ ‬المنظمة‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬المصادر‭ ‬الإدارية‭ ‬ولايسمح‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات،‭ ‬حيث‭ ‬تتركز‭ ‬كل‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬يده،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أسوأ‭ ‬أنماط‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬نظري‭. ‬لمادا؟‭ ‬لنر‭ ‬الجواب‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬التالي‭: ‬

يقال‭ ‬إن‭ ‬جاك‭ ‬ويلش‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬ورئيس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬جنرال‭ ‬إليكتريك‭ ‬سّرح‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬نوابه‭ ‬رغم‭ ‬أنهما‭ ‬كانا‭ ‬من‭ ‬المساهمين‭ ‬بفاعلية‭ ‬في‭ ‬أرباح‭ ‬الشركة‭. ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬أنهما‭ ‬استخدما‭ ‬قوة‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬جميع‭ ‬القرارات‭ ‬في‭ ‬يدهما‭ ‬دون‭ ‬تفويض‭ ‬المسئولين‭ ‬الآخرين‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬مرؤوسيهم‭ ‬دون‭ ‬منحهم‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬أو‭ ‬خلق‭ ‬مناخ‭ ‬وبيئة‭ ‬عمل‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬والإبداع‭ ‬والتغيير‭.‬

والآن‭ ‬لنعد‭ ‬سيدي‭ ‬القارىء‭ ‬إلى‭ ‬قراري‭ ‬بعدم‭ ‬الالتحاق‭ ‬بتلك‭ ‬المؤسسة‭ ‬رغم‭ ‬العرض‭ ‬السخي،‭ ‬ماذا‭ ‬سيكون‭ ‬قرارك‭ ‬أنت‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬مكاني؟

ثم‭ ‬أإن‭ ‬لديّ‭ ‬سؤالا‭ ‬وربما‭ ‬تشاركني‭ ‬فيه‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ،‭ ‬وهو‭: ‬لماذا‭ ‬يتم‭ ‬تعيين‭ ‬نواب‭ ‬ومساعدين‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬الرئيس‭ ‬وتتحمل‭ ‬المؤسسة‭ ‬التكاليف‭ ‬الباهظة،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬منزوعو‭ ‬السلطة‭ ‬الإدارية‭ ‬والصلاحيات؟‭!.‬