يوم للتاريخ في التآخي البشري

| سمية المير

14‭ ‬مايو‭ ‬2020م‭.. ‬يوم‭ ‬لن‭ ‬ينساه‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية،‭ ‬حينما‭ ‬دعا‭ ‬وتضرع‭ ‬المسلم،‭ ‬المسيحي،‭ ‬البوذي،‭ ‬اليهودي،‭ ‬الهندوسي،‭ ‬السيخ‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬الطوائف‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬لغاية‭ ‬واحدة‭: ‬أن‭ ‬يزيل‭ ‬خالق‭ ‬الكون‭ ‬عن‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬عاقبته‭ ‬خيرا‭ ‬على‭ ‬الإنسانية‭.‬

كانوا‭ ‬متباعدين‭ ‬اجتماعيا،‭ ‬حالهم‭ ‬كحال‭ ‬أكفهم‭ ‬التي‭ ‬رفعوها‭ ‬تضرّعاً‭ ‬إلى‭ ‬الباري‭ ‬ليعجّل‭ ‬بالرحمة‭ ‬وغيث‭ ‬العافية،‭ ‬ولكنهم‭ ‬كانوا‭ ‬متحدين‭ ‬روحيا‭ ‬بصلاتهم‭ ‬العالمية‭ ‬ودعائهم‭ ‬المشترك‭ ‬لمن‭ ‬جلّت‭ ‬قدرته،‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬العاضد‭ ‬لنا‭ ‬ومنقذنا‭ ‬الأوحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النائبة‭ ‬التي‭ ‬ألمّت‭ ‬بجنس‭ ‬البشر،‭ ‬وعاثت‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬السقم‭ ‬والقلق‭.‬

مهما‭ ‬تعددت‭ ‬لغاتها‭ ‬وطقوسها‭ ‬ومعتقداتها،‭ ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬الصلاة‭ ‬وستبقى‭ ‬مدعاة‭ ‬خير‭ ‬ومحبة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬توحد‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬العفو‭ ‬والمغفرة‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬الكروب‭ ‬والخطوب،‭ ‬مهيأة‭ ‬أنبل‭ ‬أرضية‭ ‬للتآخي‭ ‬والتلاحم‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أشرس‭ ‬الويلات‭ ‬وأكثرها‭ ‬فتكا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬عالمنا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مواجهته‭ ‬لجائحة‭ (‬كوفيد‭ ‬19‭).‬

الصلاة‭ ‬والدعاء‭ ‬العالمية‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬إيمان‭ ‬جميع‭ ‬أتباع‭ ‬الأديان‭ ‬المختلفة‭ ‬بأن‭ ‬العناية‭ ‬الإلهية‭ ‬موجودة،‭ ‬وأن‭ ‬الخلاص‭ ‬مما‭ ‬نمرّ‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬شدائد‭ ‬حتمي،‭ ‬ولكن‭ ‬يحتاج‭ ‬صبرا‭ ‬وتوحّدا‭ ‬وتكافلا‭ ‬أكبر‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬هذه‭ ‬المعمورة؛‭ ‬حتى‭ ‬يوصلوا‭ ‬لمن‭ ‬خلقهم‭ ‬من‭ ‬تراب‭ ‬ونفخ‭ ‬في‭ ‬روحهم‭ ‬الحياة‭ ‬رسالة‭ ‬قدسية‭ ‬موحّدة‭ ‬مفادها‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ملجأ‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬خالق‭ ‬هذه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬ومن‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬إنقاذنا‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الفيروس‭ ‬التاجي‭.‬

مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بدورها‭ ‬كانت‭ ‬دولة‭ ‬فوق‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬حرص‭ ‬جميع‭ ‬قياداتها‭ ‬الدينية‭ ‬ومساجدها‭ ‬وكنائسها‭ ‬ومعابدها‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬والدعاء‭ ‬وفعل‭ ‬الخيرات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬مايو،‭ ‬وهي‭ ‬عادة‭ ‬مقدسة‭ ‬حميدة‭ ‬اعتادت‭ ‬على‭ ‬ممارستها‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬بتلاحم‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬دور‭ ‬العبادة‭ ‬تحت‭ ‬سماء‭ ‬واحدة،‭ ‬يعود‭ ‬الفضل‭ ‬فيها‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرا‭ ‬إلى‭ ‬النهج‭ ‬القويم‭ ‬لحضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المفدى‭ ‬الذي‭ ‬أرسى‭ ‬عرى‭ ‬التسامح‭ ‬الديني‭ ‬والتلاحم‭ ‬الإنساني‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬المنشود‭.‬

الصلاة‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإنسانية‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬رسالة‭ ‬المملكة‭ ‬ورسالتها‭ ‬السامية،‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬موطن‭ ‬الحريات‭ ‬الدينية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المنطقة‭ ‬ورسول‭ ‬التسامح‭ ‬وتقبّل‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف‭ ‬عالميا،‭ ‬حتى‭ ‬يعم‭ ‬السلام‭ ‬والوئام‭ ‬كافة‭ ‬شعوب‭ ‬وأقاليم‭ ‬الأرض‭ ‬بما‭ ‬حملته‭ ‬من‭ ‬عقول‭ ‬وأهواء‭ ‬متباينة‭. ‬فالمنامة‭ ‬رسمت‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬لوحة‭ ‬جميلة‭ ‬بامتزاج‭ ‬المسجد‭ ‬والكنيسة‭ ‬والمعبد‭ ‬ودعوتهم‭ ‬الموحدة‭ ‬ليحمي‭ ‬المؤمنين‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مذاهبهم‭ ‬ويديم‭ ‬عليهم‭ ‬كافة‭ ‬أشكال‭ ‬النعم‭.‬

تفتح‭ ‬لنا‭ ‬صلواتنا‭ ‬العالمية،‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬دعوات‭ ‬وابتهالات‭ ‬صادقة،‭ ‬أبوابا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الأمل،‭ ‬وتجلب‭ ‬لنا‭ ‬آفاقا‭ ‬أرحب‭ ‬من‭ ‬الطمأنينة‭ ‬واليقين‭ ‬بوجود‭ ‬مخرج‭ ‬من‭ ‬أزمتنا‭ ‬الراهنة،‭ ‬وقدرتنا‭ ‬على‭ ‬عبور‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬والخروج‭ ‬منها‭ ‬أقوى‭ ‬وأكثر‭ ‬تماسكا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬داعين‭ ‬العلي‭ ‬القدير‭ ‬أن‭ ‬يكلأ‭ ‬سكان‭ ‬الأرض‭ ‬بالصحة‭ ‬والعافية‭ ‬والأمان‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شر‭.‬