ريشة في الهواء

لا تثقب السفينة وتقول أنا حر!

| أحمد جمعة

لا‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تُفكر‭ ‬بعقل‭ ‬الفردية‭ ‬الخطرة‭ ‬وتقول‭ ‬أنا‭ ‬حر،‭ ‬لن‭ ‬يقبل‭ ‬المجتمع‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تضعه‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬النار‭ ‬وتهدد‭ ‬قواعده‭ ‬وتقول‭ ‬أنا‭ ‬حر،‭ ‬أتصرف‭ ‬بمفردي،‭ ‬لا‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬تُبحر‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬الركاب‭ ‬ثم‭ ‬تقوم‭ ‬بمحاولة‭ ‬ثقب‭ ‬السفينة‭ ‬وإحداث‭ ‬ثغرة‭ ‬فيها‭ ‬وسط‭ ‬البحر‭ ‬وتقول‭ ‬“كيفي”‭! ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬البعض‭ ‬اليوم‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬خطر‭ ‬واستثنائي‭ ‬وبحالة‭ ‬طوارئ‭ ‬غير‭ ‬معلنة‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬المجتمع‭ ‬العالمي‭ ‬برمته‭.‬

فحتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المركب‭ ‬العالمي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السماح‭ ‬لدولة‭ ‬بثقب‭ ‬السفينة‭ ‬الدولية،‭ ‬وتقول‭ ‬أنا‭ ‬دولة‭ ‬حرة‭ ‬مستقلة‭... ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬يعاقب‭ ‬الصين‭ ‬بالتشكيك‭ ‬في‭ ‬سلوكها‭ ‬ويضغط‭ ‬عليها‭ ‬للاعتراف‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬الأزمة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬بموقف‭ ‬بعض‭ ‬الرؤساء،‭ ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬علينا‭ ‬بالبحرين‭ ‬وبالتحديد‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يستهترون‭ ‬ويتهورون‭ ‬ويجازفون‭ ‬بوضع‭ ‬البلد‭ ‬والمجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬بالتقليل‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬الوضع‭ ‬وخرق‭ ‬القواعد‭ ‬وعدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بالشروط،‭ ‬سواء‭ ‬بوعي‭ ‬أو‭ ‬بدونه،‭ ‬حجتهم‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬لم‭ ‬يبلغ‭ ‬درجة‭ ‬الحظر‭ ‬الشامل،‭ ‬وأن‭ ‬السماح‭ ‬بالخروج‭ ‬والاختلاط‭ ‬والتسوق‭ ‬دليل‭ ‬فتح‭ ‬الأبواب‭ ‬على‭ ‬مصراعيها‭ ‬هو‭ ‬البركان‭... ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬إحداث‭ ‬ثقب‭ ‬في‭ ‬السفينة‭ ‬التي‭ ‬تنقلهم،‭ ‬يتحججون‭ ‬بعدم‭ ‬وجود‭ ‬ما‭ ‬يلزمهم‭.‬

وهنا‭ ‬تأتي‭ ‬مسؤولية‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬فرضها‭ ‬بقوة‭ ‬وحسم‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتبادر‭ ‬لذهن‭ ‬أحد‭ ‬أنه‭ ‬حر‭ ‬ويمكنه‭ ‬الخروج‭ ‬والدخول‭ ‬كيفما‭ ‬شاء‭ ‬ومتى‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬لأن‭ ‬الخط‭ ‬الأحمر‭ ‬بلغناه،‭ ‬ولا‭ ‬ننتظر‭ ‬حتى‭ ‬ينهار‭ ‬الجهاز‭ ‬الطبي‭ ‬ومعه‭ ‬الجهاز‭ ‬العام،‭ ‬وننتظر‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬الساعة‭ ‬لنقول‭ ‬الوضع‭ ‬الآن‭ ‬أصبح‭ ‬مهيئا‭ ‬للحظر‭ ‬الشامل،‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يراعي‭ ‬المواطنون‭ ‬القيود‭ ‬والشروط،‭ ‬والمفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬وعي‭ ‬عام‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬الجميع،‭ ‬وأن‭ ‬يدركوا‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬وحدة‭ ‬متكاملة‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬وحدات‭ ‬منفصلة‭ ‬يحق‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬أن‭ ‬يتصرف‭ ‬على‭ ‬هواه،‭ ‬هناك‭ ‬حق‭ ‬عام‭ ‬للمجتمع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لا‭ ‬للفرد‭ ‬ولا‭ ‬للدولة‭ ‬حتى‭ ‬خرقه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬علينا‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬العصيب‭ ‬الذي‭ ‬تبدو‭ ‬فيه‭ ‬السفينة‭ ‬أنها‭ ‬تواجه‭ ‬العاصفة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬تجاوزنا‭ ‬الخط‭ ‬الأحمر‭ ‬وصعود‭ ‬الأرقام‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬حرجة‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬ونسأل‭: ‬ماذا‭ ‬ننتظر؟‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬الجبهة‭ ‬الأمامية‭ ‬من‭ ‬المعركة‭ ‬مع‭ ‬الوباء‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الأطباء‭ ‬والممرضون‭ ‬والمسعفون‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن،‭ ‬بينما‭ ‬بعضنا‭ ‬لا‭ ‬يهمه‭ ‬سلامة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬لهم‭ ‬عائلات‭ ‬وأبناء‭ ‬وأحباء‭ ‬وأصدقاء،‭ ‬فلنتصور‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أبنائنا‭ ‬يعمل‭ ‬بهذا‭ ‬المجال،‭ ‬ماذا‭ ‬سيكون‭ ‬شعورنا؟‭ ‬مشكلة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬ثقب‭ ‬السفينة‭ ‬أنهم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬غير‭ ‬مدركين‭ ‬أننا‭ ‬نخوض‭ ‬حربًا‭ ‬مصيرية‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬كما‭ ‬يخوضها‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬وهي‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬لكن‭ ‬للأسف‭ ‬بعضنا‭ ‬فقد‭ ‬الإحساس‭ ‬بهذا‭ ‬الوضع‭ ‬وصار‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬حر‭ ‬فوق‭ ‬السفينة‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتصرف‭ ‬باستهتار‭ ‬دون‭ ‬اعتبار‭ ‬لبقية‭ ‬الركاب‭!‬

 

تنويرة‭:

‬ذروة‭ ‬الجهل‭ ‬تصديقه‭.‬