أدباء اختاروا عزلتهم... فرانز كافكا مثالا

| أميرة صليبيخ

يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬التشيكي‭ ‬اليهودي‭ ‬فرانز‭ ‬كافكا‭ ‬رائد‭ ‬الكتابة‭ ‬الكابوسية‭ - ‬الذي‭ ‬غطى‭ ‬العالم‭ ‬بظلامه‭ ‬المعجون‭ ‬بالقهر‭ ‬والحزن‭ ‬والعجز‭ ‬والعبثية‭ ‬والوحدة‭ - ‬“أرغب‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬التفكير،‭ ‬أكون‭ ‬فيها‭ ‬وجها‭ ‬لوجه‭ ‬مع‭ ‬نفسي”،‭ ‬ولعله‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬اختار‭ ‬حياته‭ ‬ورسمها‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬النهج،‭ ‬معزولا‭ ‬وحيدا‭ ‬ومخلصا‭ ‬لكتاباته‭ ‬التي‭ ‬صب‭ ‬فيها‭ ‬قيأ‭ ‬مشاعره‭ ‬الظلامية‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬القاسي‭ ‬وغياب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مآس،‭ ‬فتحولت‭ ‬حياته‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬حرب‭ ‬شرسة‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬وفضل‭ ‬الانكفاء‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬حماية‭ ‬لجحره‭ ‬الداخلي‭. ‬وقد‭ ‬نتجت‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬العزلة‭ ‬المختارة‭ ‬إصدارات‭ ‬تعد‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬روائع‭ ‬الأدب،‭ ‬ولم‭ ‬يضاهه‭ ‬فيها‭ ‬أحد،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تعرض‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬للحرق‭ ‬والمنع‭ ‬والمصادرة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬موضع‭ ‬ترحيب‭ ‬وتقدير‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭. ‬

وكما‭ ‬قال‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيميل‭ ‬سيوان‭ ‬“لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يحرس‭ ‬عزلته‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬بغيضاً”،‭ ‬عرف‭ ‬كافكا‭ ‬كيف‭ ‬يصد‭ ‬الآخرين‭ ‬بطريقته،‭ ‬ولا‭ ‬ملام‭ ‬عليه،‭ ‬فقد‭ ‬عانى‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬أب‭ ‬قاس،‭ ‬ثم‭ ‬عاش‭ ‬البؤس‭ ‬الوظيفي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يستهلك‭ ‬روحه‭ ‬وقوته‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬جسده‭ ‬الواهن‭ ‬وقدرته‭ ‬المحدودة‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬بسبب‭ ‬إصابته‭ ‬بالسل‭ ‬ومعاناته‭ ‬المستمرة‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والضغط‭ ‬والصداع‭ ‬النصفي،‭ ‬والدمامل،‭ ‬والاكتئاب،‭ ‬والأرق،‭ ‬ووجد‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬المواساة‭ ‬الوحيدة‭ ‬لحياته‭ ‬البائسة،‭ ‬التي‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬أعماله‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬جسدت‭ ‬المرارة‭ ‬واللا‭ ‬جدوى‭ ‬والعدمية‭ ‬والظلم‭ ‬والصراعات‭ ‬النفسية‭ ‬المعقدة،‭ ‬مصورا‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬“المسخ”‭ ‬بأنه‭ ‬مجرد‭ ‬حشرة‭ ‬كبيرة‭!‬

كافكا‭ ‬أوجد‭ ‬طريقته‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬عالمه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬العزلة،‭ ‬ولربما‭ ‬هذه‭ ‬العزلة‭ ‬كانت‭ ‬أفضل‭ ‬قرار‭ ‬له،‭ ‬فاليوم‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أحد‭ ‬أعظم‭ ‬كتاب‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

أما‭ ‬أنت‭... ‬فاختر‭ ‬من‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬عزلتك‭.‬